تنوعت أساليب وفنون وأدوات القتال والحرب على مدى آلاف السنين من التاريخ البشري الطويل، واجتمعت كلها على ميدانية الحرب بالمقام الأول، باعتبار الميدان هو الموقع الرئيس للمواجهة واحتدام الفرق أو الجيوش. اليوم نواجه معضلة أمنية من نوع آخر، فلربما ضغطة زر واحد على لوحة المفاتيح «keyboard» كفيلة بأن تشعل نيران حروب لا تنطفئ، وتزعزع أمن دول، أو تهدد دبلوماسيتها في العالم. إنها الحروب الإلكترونية، ويطلق عليها الحروب السيبيرية «قرصنة الإنترنت»، تلك التي تتجاوز بكثير القوة التقليدية للأجهزة الاستخباراتية لما يترتب على اختراق النظم الأمنية والمعلوماتية للدول من خطورة بالغة. وفي ظل جنون التطورات الإلكترونية مؤخراً، وما تشهده المنطقة من تحولات جذرية، لعل ليس ثمة مبالغة من القول أن الحروب السيبيرية قد بدأت تشكل خطراً حقيقياً ليس على الأمن الوطني لبعض البلدان، ولا على الأمن الإقليمي للبعض الآخر وحسب، وإنما أصبحت طرفاً فاعلاً في التأثير على أنماط العلاقات الدولية وخلق محددات جديدة للقوة ودينامياتها.في واحدة من ورش العمل المغلقة المهمة التي حضرتها بمركز الإمارات للسياسات مع نخبة من الباحثين في الخليج العربي، قبل أشهر معدودات، جرى تناول موضوع «التهديد عبر الفضاء الإلكتروني» وانعكاسات أمن وتهديدات الفضاء الإلكتروني على الأمن القومي والإقليمي وكيفية مواجهة التهديدات، وتم التوقف على بعض المفاصل المهمة والحساسة من الموضوع في محاولة لتفنيد الفرص والخيارات المختلفة المتاحة لدول مجلس التعاون الخليجي، لتحسين أمن فضائها الإلكتروني، مرجع ذلك ما واجهته تلك الدول من هجمات واختراقات مماثلة في وقت سابق في القطاعات المالية وعدد من القطاعات الأخرى.. ما يرفع من احتمالات الخطر الأمني. ويعد هذا المحور واحداً من أهم الموضوعات الاستشرافية التي سلط مركز الإمارات للسياسات الضوء عليها.ولكننا مازلنا -كدول خليجية- في أول الطريق، وبحاجة ماسة لطرح الموضوع مراراً وتكراراً ودراسة أبعاده وانعكاساته بوعي ودراية، ولعلها الفرصة المناسبة لتجديد التعويل على الباحثين والدارسين، لاسيما من المختصين في المجال الإلكتروني، لإيجاد مستويات عالية من الوقاية والاحتراز، فضلاً عن تقديم حلول استباقية لبعض المعوقات أو المشكلات المحتملة والتي من شأنها أن تهدد أمن الدول في سبيل الخلاص من شرور الفضاء الإلكتروني وهجماته المباغتة.- اختلاج النبض..ربما لا مناص من القول أن أغلب التدابير الأمنية التي يمكن اتخاذها من أجل إفشال أو وضع حد للعمليات الحربية والعسكرية الميدانية، لا يمكن لها السيطرة على -ولا ضبط- ممارسات حروب الاختراقات الإلكترونية، وهو ما يشي بأهمية البحث في رفع مستوى إمكانيات الحصانة الأمنية من خلال أقسام أو وحدات عسكرية متخصصة في مواجهة هذا النوع من الحروب الإلكترونية من جهة، وتطوير البرمجيات والأنظمة التي من شأنها أن ترفع من احتمالات الحصانة والحماية للفضاء الإلكتروني من جهة أخرى.