الرأي

التسامح

المسيــــر







تشدني حروف هذه الكلمة كلما قرأتها أو سمعتها أو تلذذت بمعانيها على أرض الواقع.. فالمرء إنما يعيش (بقلبه المتسامح) حتى يستطيع أن يحصد ثمار الخير في الدنيا والآخرة.. يحصدها بنفسية هادئة مطمئنة وساكنة تبتغي الخير ولا تلتفت للأصداء المتعبة التي تبثها بعض النفوس.. الشخصية المتسامحة تفرض وجودها لتكسب القلوب وتربي نفسها على معاني (الخيرية) وتمسح غبار الألم، وتعلق نجاحها بالله سبحانه وتعالى..
إخوة سيدنا يوسف عليه السلام عندما عرفوه اعترفوا بخطئهم وقالوا: «قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين» فأجابهم بأسلوب لم يوبخهم فيه ولم يعاتبهم بما فعلوه من قبل، فقال: «قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين». وعندما عادوا إلى أبيهم سيدنا يعقوب عليه السلام طلبوا العفو والتسامح لما فعلوه بأخيهم من قبل، قال تعالى: «قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين» فأجابهم: «قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم». فعلى الرغم مما فعلوه بأخيهم، وعلى الرغم من الحسرة التي تركوها في قلب الأب الرحيم، إلا أنه بادرهم بقلب مطمئن رحيم بأبنائه «سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم».. قمة في العفو والتسامح..
فكم من شخص غدر بك على حين غرة، وكم من أناس خططوا ليوقعوك فريسة للخطأ والفشل، وكم من نفوس ترصدت بك حتى لا تعطيك فرصة للصعود إلى سلم النجاح، وكم من ألسن أبرقت وأرعدت بكلمات جارحة لا تتناسب ونفسيتك الطيبة، وكم من أناس ضربوك بخناجر مسمومة حتى لا تتقدم عليهم في طريق النجاح، وكم من نفوس مريضة باتت تحقق مقاصدها (الشخصية) بعيداً عن إمارات المنطق والواقع المنشود.. كلها (تفاهات دنيوية) وأمراض نفسية، قابلها بقلبك (المتسامح) ليس من أجل هؤلاء، ولكن من أجل الله تعالى ومن أجل نفسك حتى تنعم بطمأنينة وسكينة واستقرار نفسي، وحتى تقابل الله تعالى عندما ترحل عن هذه الدنيا بقلب طيب متسامح نقي..
وتذكر دائماً ذلك الصحابي الذي بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة بأنه من أهل الجنة لمدة ثلاثة أيام.. وعندما سأله أحدهم عن سبب ذلك؟ أجابه بأنه لا يحمل أي حقد أو غل أو حسد على الآخرين.. يبيت الليل وشعاره التسامح.. بهذا الدعاء الرقيق: (اللهم إني تصدقت بعرضي على الناس وعفوت عمن ظلمني)..
اللهم سامح واغفر لكل من أخطأ في حقي.. وسامحني إن أخطأت في حق الآخرين.