خرجت البحرين من ضنك إلى يسر. إنه تفاؤل؛ لقد تفاءل أهل البحرين وكانوا واثقين أن الله لا يبقي باطلاً، وإن ظل الباطل وطال أمده فهو لا محالة زائل، إنه حسن الظن بالله؛ وهكذا هي حياة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته؛ كانت مبنية على التفاؤل وحسن الظن بالله، فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليهم وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا، فقال: لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتم هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون»، إنه التفاؤل.. التفاؤل عندما خرج شعب البحرين لساحة الفاتح يدعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ البحرين، فهم لم يخرجوا مخربين ولم يخرجوا ثائرين، ولم يرفعوا رايات ثأر وانتقام؛ بل ساروا بخطى ثابتة وقلوب ملؤها الإيمان بأن النصر من عند الله.. إنه الرجاء الذي خالط الدعاء واليقين بالاستجابة، ذلك المنظر المهيب حيث جاءت كاميرات قنوات العالم لتلتقط صوراً لهذا الجمع، فلم تقدر عدساتها على حصره، إنه حسن الظن بالله الذي أجمع عليه أهل البحرين فنصرهم الله، في الوقت الذي كانت هناك جماعات حاولت أن تنتصر فإذا برايتها ينكسها الله، ولم تقدر قوى العالم أن تسندها عندما خذلها الله.التفاؤل عندما أقلعت طائرات التحالف العربي لنصرة شعب اليمن وتطهير أرضه من الاحتلال الإيراني.. هذا التفاؤل الذي لم يتخلله رهبة ولا تردد من حساب لمجتمع دولي ولا جيوش أمريكية وإيرانية محتشدة في مياه الخليج، إنه حسن الظن بالله الذي تحقق عندما نزلت المدرعات والجيوش العربية أرض اليمن بالأمس، لتحقق تفاؤل الشعب اليمني الذي نزل ساحة الجهاد موقناً بالنصر؛ إنه التفاؤل..فالتفاؤل لم يتوقف عند الرسول صلى الله عليه وسلم ولا عند صحابته؛ بل سرى هذا التفاؤل في صدور السلف الصالح والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين.. ونحن من يتبعهم إن شاء الله.. التفاؤل الذي لا يقتصر عند حسن الظن بالله؛ بل التوكل على الله وتفويض الأمر كله إليه، فها هو أحد السلف أُخبر بارتفاع الأسعار فقال: «والله لا أبالي ولو أصبحت حبة الشعير بدينار، عليّ أن أعبده كما أمرني وعليه أن يرزقني كما وعدني»، وها هو حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل»؛ إنه التوكل وحسن الظن بالله.وما أحوج الأمة اليوم إلى التفاؤل وإحياء الأمل وعدم الاستسلام للمثبطين والمحبطين، الذي يحاولون زعزعة الإيمان في قلوب الأمة، هذه الأمة التي أحسنت الظن بالله فأحسن مكانها وجعلها خير أمة. إذاً نحن بحاجة أن نجدد علاقتنا بالله وأولها حسن الظن به، وأما الأخذ بأسباب النصر بحسن العلاقة بأعداء الأمة، أو الطلب منهم مراعاة حق الجوار اتقاء لشرهم، أو اتخاذ شعارات اليهود والنصارى وتحدي الدولة فهذا لن يجدي، طالما حابينا الطواغيت وعقدنا الأمل على نصرتهم، ظناً فيهم بأنهم طوق النجاة، أو قد تفتح أبواب الرزق علينا بمصاحبتهم.. أو أن الشعار والتحريض قد يصنع حضارة ونهضة ويفتح لنا أبواب السماء، هذا لا يحدث ولن يحدث.. فلنفتش في تاريخ الأنبياء والمرسلين ولنقرأ في الفتوحات الإسلامية كي نتأكد بأنه لم تسير هناك جيوش ولم تفتح مدن ولم تدمر إمبراطوريات، ولم يفتح الله خيراً على بلدة، إلا بسبب أن هذه الفئة قد أحسنت الظن بالله أنه لا ناصر ولا رازق غيره، وأنه الذي بعث طير الأبابيل على جيش أبرهة الحبشي وشق البحر لموسى.. إنه التفاؤل.فيا أهل البحرين تفاءلوا وأصلحوا ما بينكم وبين الله وفالكم إن شاء الله حسن..
Opinion
فالكم حسن..
16 يوليو 2015