قبل فترة قرأت تقريراً رائعاً منقولاً عن صحيفة مكة، يتحدث عن واحدة من النساء الناجحات على مستوى العالم هي أورسولا بيرنز، وكان لهذا التقرير عنوان هو التالي «التعليم هو الطريق للخروج من حياة (الفقر والبؤس)»، فقد كانت الجملة التوكيدية المحددة، إحدى نصائح والدة (أورسولا بيرنز) لأبنائها قبل ذهابهم للمدرسة، لتزرع في أبنائها قيماً أخلاقية قبل التعليم الجيد. كانت أورسولا تسكن وأسرتها في منازل الإسكان العام للفقراء بنيويورك، واضطرت والدتها أن تعمل خادمة، فأهلكت نفسها في الغسيل والتنظيف والكي لساعات متأخرة من الليل حتى تمنح أبناءها أغلى ما حرمت منه وهو التعليم بعد وفاة زوجها.عملت أورسولا على تعليم نفسها واجتهدت لأنها كانت تشعر بآلام وأوجاع والدتها إلى أن تخرجت من الثانوية متفوقة في الحساب. كانت والدتها ترغب أن تكون ابنتها (راهبة أو معلمة أو ممرضة) ولكن طموحها كان أكبر من خيارات والدتها فقررت دراسة الهندسة الكيميائية، وحينما فاتحت والدتها حول تكاليف الدراسة الباهظة قالت لها: «انظري إلى أين ستصلين ولا تنظري إلى ما سنواجهه معاً».عملت أورسولا في وظائف مختلفة داخل شركة زيروكس العالمية بعدما قضت عاماً كاملاً من التدريب، وعانت فيها كثير من التمييز ونظرات الاحتقار، حيث لم يكن هناك الكثير من النساء، ولا يكاد يكون هناك أي امرأة سوداء سواها، مما دفعها مراراً للتفكير بمغادرة زيروكس، ولكنها كانت تقول لنفسها دوماً لما علي مغادرة هذا المكان وأنا أجد ثناء المدراء ودعمهم. سأبقى هنا لأكون ملهمة لغيري وأنجز ما في وسعي إنجازه وسأتجاهل أي شيء آخر، تقول أورسولا: «كلما شعرت بالتمييز أو الإحباط تذكرت مقولة أمي، تذكري أن العمل بجد هو أفضل وسيلة لتجاوز المحبطين».بعد عشر سنوات من الجد والعمل (عام 1991) ابتسمت لها الحياة حينما اختارها أحد كبار المسؤولين التنفيذيين لتكون مساعداً تنفيذياً له نظير جهودها الكبيرة في زيادة الجودة وخفض النفقات، وهو ما اعتبرته البداية الحقيقية نحو الانطلاق والنجاح كونها ستكون بجانب مسؤول قيادي وثق فيها وسيمنحها مزيداً من الدعم لتحقق نجاحات أكبر. ولم يمض العام الأول لها في وظيفتها الجديدة حتى صدر قرار تعينها المساعد التنفيذي لرئيس مجلس الإدارة، وهو ما كان صادماً لها وللآخرين، حيث إنها كانت ترى في نفسها مجرد امرأة مجتهدة ولكن المسؤولين كانوا يرون فيها نموذجاً للقيادي الناجح. ثم بدأت المناصب تتسابق نحوها عاماً بعد آخر إلى تم اختيارها (عام 2009) رئيساً تنفيذياً لمجموعة شركات زيروكس في العالم والبالغ عددها500 شركة، وبذلك تعتبر هي أول امرأة سوداء يتم تعيينها رئيساً تنفيذياً لإحدى أكبر الشركات الأمريكية العالمية.توفيت والدة أورسولا قبل 29 عاماً تقريباً بعدما أرهقتها الأمراض من أجل حياة أبنائها، وتقول أورسولا: (في كل موقف أواجهه أتخيل أن والدتي كالطير على كتفي تغرد لتشجيعي أو لنصيحتي، ولطالما كانت نصائحها التي تشبه «التغريدات» أثراً بالغاً على نفسي). أورسولا التي تعلقت بوالدتها كثيراً وبمقولتها أكثر علقت لوحة في مكتبها مكتوب عليها: (لا تفعل أي شيء من شأنه أن يجعل أمك غير فخورة بك).في الوقت الذي أحيي فيه هذه المرأة التي صعدت سلم النجاح على مستوى العالم وحققت طموحاتها التي لا سقف لها غير المزيد من مساحات تحقيق الحلم بها، أقف رافعاً القبعة أمام والدتها، الخادمة، المحاصرة بأقسى ما يمكن أن يقدمه مجتمع لا يهتم بأوضاع من يعيشون على خط الحاجة إلى اللقمة والدواء والمتع الحياتية الصغيرة، الإنسانة التي لم تستطع كل ظروف الفقر من دعم أبنائها وعلى رأسهم أورسولا، كانت تغريداتها هي الرسائل الإيحائية اليومية القوية للسير في طريق النجاح والتفرد وتحقيق الذات.كل إنسان منا قادر أن يكون كما يحلم أن يكون.