كتبنا الأسبوع الماضي هنا عن توجه بعض النواب لمقاضاة بعض الذين يتعرضون لهم بالشتم والإساءة، وذلك تحت عنوان فيه تساؤل عما إذا كانت المقاضاة لمن يوجه النقد للنواب أم لمن يتطاول عليهم بالشتم، مع بيان موقفنا من ذلك.وعطفاً على ذلك، تواصل معي عدد من النواب لإيضاح الصورة، والحمدلله بأننا تتفق تماماً مع ما مضينا إليه وكتبناه، بأنه ضد أية عملية هدفها النيل من حرية التعبير أو الحد من الانتقاد شريطة أن يكون النقد بمفهومه السليم وأسلوبه الصحيح، وما يتعدى ذلك ويصل لمستوى منحط في الخطاب ويكون متجرداً من الأخلاقيات فإنه يستوجب بالتأكيد التعامل وفق ما يقتضيه ويستوجبه القانون.للأسف الشديد أقولها بأن بعض ما عرضه علي عدد من هؤلاء النواب من نماذج فيه تطاول «بشع»، فيه من الشتم والسب ما يترفع المرء عن ذكره أو حتى الإشارة إليه، فيه من «الشخصنة» الشيء الكثير، بل غير المعقول، فيه طعن في الشرف طال عوائل بعض هؤلاء النواب، فيه ألفاظ سوقية لا تصدر حتى عن مراهقين.كل هذا لا يمت لمفهوم النقد الصحيح ولا لحرية الرأي والتعبير بأي صلة، إذ حتى الحرية لها أطر ومحددات، هي تفقد مضمونها إن تعدت وتطاولت على حريات الآخرين، وحتى النقد لا يكون نقداً حينما يترك الظواهر ويركز على المظاهر وعلى أسلوب حياة الفرد وعلى أموره الشخصية وعلى عائلته وأفرادها.لا أعتقد أن ما نقوله يضايق أحداً، خاصة أولئك الذين يرفضون بأن يطالهم أنفسهم وأهليهم وعوائلهم وأمهاتهم وأزواجهم وبناتهم الشتم والتجريح والسباب، إذ هذه الأفعال ليست حرية تعبير ولا نقداً محترماً راقياً، بل هي قلة أدب، وانحطاط أخلاق، وأساليب تعامل شوارعية والله حتى الحيوانات لا تتعامل مع بعضها بهذا الأسلوب.للأسف الشديد تكثر مثل هذه الأمور في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي هذه الأوساط الجديدة ضاعت مفاهيم حرية التعبير والنقد، بل وصلت إلى مستويات دنيا، تكشف لك مستوى بعض الناس ودرجة تفكيرهم وضحالة قيمهم، خاصة من يتكلم بغير اسمه وصفته الشخصية، خاصة أولئك الذين «يتبرقعون» و«يتخفون» خلف صور وأسماء وهمية، ويقومون بالاستهزاء بالبشر وكيل قصائد الشتائم والخوض في الأعراض، يقومون بكل أفعال لا يقوم بها إلا ذو نفس بشرية دنيئة وقيم غائبة وكيان مريض.فرق شاسع بين من ينتقد بأسلوب راقٍ محترم، يركز على المشكلة والموقف والقضية لا على شكل الشخص ولونه وأهله وعائلته. فرق شاسع بين من يتعامل وفق أطر حرية التعبير، وقبل أن يبيح لنفسه درجة ومدى النقد يضع نفسه في موقف الآخرين ويسأل ذاته إن كان يقبل بتلك الأساليب لو كان في موقعهم.لسنا بصدد دفاع عن النواب هنا، لكننا نريد التأكيد على أنه لا يجوز وغير مقبول أن يطال أي شخص ذا صفة اعتبارية أو غيرها هذا النوع من الأسلوب، الشتم والسب والخوض في الأعراض وقبيح الكلام لا يصدر عن أناس يقولون بأنهم ينتقدون الوضع بهدف المصلحة العامة أو بهدف إحقاق الحق. الحق لا يتم إحقاقه باستخدام أساليب الباطل، وكلمات العدالة والحرية أبدا لم تتضمن جمل الشتم والقذف والسباب.الحرية في البحرين متاحة، بل ذات أبواب واسعة، لكن كم عدد ممارسيها بشكلها الصحيح؟! كم عدد المنتقدين برقي النقد السليم؟! كم عددهم الذين لا يخلطون المواقف بالشخوص؟! نعم من حقنا كلنا انتقاد النواب الذين انتخبناهم، من حقنا كلنا انتقاد الحكومة ومسئوليها، ومن حقنا حتى انتقاد الصحافة والكتاب، لكن ليس من حقنا انتقادنا بأسلوب الشتم والتحقير والسباب في شخوصهم وعوائلهم وأعراضهم، النقد يتعرض للممارسات المبنية على المسئوليات والتي فيها التزام تجاه الوطن والمواطن، النقد يطال الفعل الخاطئ ويسعى لتصحيحه، لا يطال الشخص ويجعله عرضة للاستهزاء والتجريح مثلما يتفنن البعض في ذلك بمواقع التواصل الاجتماعي.مثل هذه الممارسات القبيحة هي التي كنا نرفضها حينما طالت قيادتنا، حينما طالت حتى أفراد وإن اختلفت مواقفنا وآرائنا وتضادت، ناقشوا الفعل والممارسة لا تناقشوا الشخص وتخوضوا في عرضه وشرفه، وما أكبرها من جريمة غلظ عقوبتها الدين، وما أكبرها من إثم عقابة شديد عند رب العالمين.وعليه فإن النواب هم مطالبون قبل غيرهم بسن تشريعات لتطبقها الدولة وفق القانون، تضبط هؤلاء وتوقف عبثهم، تنظف الممارسة النقدية ممن يسيئون لمفهوم النقد ويمارسون الشتم بتخفٍ لا يقوم به إلا الجبناء خلف صور وهمية وأسماء مستعارة. وعلى الدولة في أجهزتها المعنية بتطبيق القانون على مثل هذه الجرائم ألا تتهاون وتتخذ الإجراءات بشأن أي بلاغ يصلها، سواء من مسؤول أو حتى أصغر مواطن، فلسنا بغابة، وليست حياة البشر وسمعتهم لعبة في يد من أمسك «كيبورد» كمبيوتراً أو هاتفاً ذكياً، ليقوم بأغبى فعل وتصرف لا يصدر إلا عن نفوس مريضة وأخلاق ساقطة.نائب تعرض لشتم وتطاول وصل لحد السب بألفاظ ساقطة وبذيئة وبكلمات شوارعية طالت والدته المتوفاة والتي لم يعرف عنها إلا كل خير وحب للناس. فقط أتساءل: أهذه سلوكيات يمكن وصفها بأنها سلوكيات الرجال؟! أممارسين هذا الفعل يطلقون على أنفسهم بأنهم أسوياء يستخدمون النقد لخدمة البلد؟! والله عيب، ليس هذا هو النقد الصحيح، وليست هذه صفات وأخلاق الرجال، ولا العقول التي تواجه بوجه مكشوف وتنتقد وإن كان نقدها قاسياً، لكنه نقد محترم راقٍ يجبرك على احترام صاحبه وإن اختلفت معه.