عندما علقت مسؤولة الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي «فيديريكا موغيريني» على الاتفاق النووي بين إيران والغرب بقولها إنه «يمهد الطريق أمام فصل جديد في العلاقات الدولية» فإنها تعني ما تقول، فشخصية مثلها كلماتها محسوبة، فكيف إذا تكلمت بسبع كلمات فقط.كذلك إصرار أمريكا والغرب على الوصول لاتفاق، وتهديد أوباما للكونغرس باستخدام الفيتو إذا رفضوا الاتفاق، وتصريحات زعماء الغرب ووزراء الخارجية فيه عن أهميته وتطلع أوروبا للاستثمار في إيران بمليارات الدولارات، كل هذه أمور تدل على أن الاتفاق سينفذ، ولذا عندما وضعت في المقال السابق ثلاثة سيناريوهات لما بعد الاتفاق في الأول يكون وضع الاتفاق شبيهاً بوضع العراق مع العالم وأن الاتفاق لن ينفذ بالكامل، وكان الثاني هو تنفيذ الاتفاق تحت أي ظرف مهما فعلت إيران، أما الثالث الذي رجحت حصوله فهو سيناريو يقوم على الخلط بين السيناريوهين، فأمريكا والغرب يريدون تنفيذ الاتفاق بعدما نجحت إيران في تسويق نفسها لهم من خلال الواقع الذي فرضته على المنطقة وأثبتت لهم أنها تسيطر على أجزاء كبيرة منها ولها أذرع وخلايا تتململ في الأجزاء الأخرى، أي أنها تصلح لتكون شرطي المنطقة من جديد، وهذا ما يروق للغرب.لكن في الوقت نفسه يريد الغرب إبقاء إيران تحت السيطرة بعد الاتفاق بحيث يحقق سلوكها مصالح الغرب وإيران بشكل مشترك، ومن يطلع على فقرات الاتفاق يجدها فقرات محبوكة بشكل ممتاز ولم تسلق سلقاً، بعض هذه الفقرات من شأنها أن تجعل الاتفاق هشاً قابلاً للنقض في أي لحظة، وهي بمثابة ورقة ضغط يلعب بها الغرب متى شاء مهدداً إيران بإعادة العقوبات، وإن شئت فقل هي السلسلة التي يمسك بها إيران، وفي الوقت نفسه هناك فقرات تبين أن ما ستتعاقد عليه إيران سيسري ولن يدخل ضمن العقوبات في حالة العودة لها.كل ذلك يؤكد أن الغرب لن يوقع العقوبات على إيران من جديد ما لم ترتكب تجاوزات كبيرة، ومفهوم كلمة «كبيرة» يتعلق بجانب من جوانب الاتفاق وهو تطوير برنامجها النووي خارج الاتفاق، وهذا لن يحصل لأن إيران لم تتنازل في الاتفاق عن البرنامج وإنما أجلت تطويره لسنوات، أما استمرارها في دعم الإرهاب وأطماعها التوسعية وانتهاكات حقوق الإنسان كلها أمور لن تؤثر على هذه الاتفاقية، وهناك أسباب كثيرة تدعو إيران إلى عدم ارتكاب ما ينقض الاتفاق منها أنه لا خلاف بينها وبين الغرب على المصالح فيمكنها تحقيق مصالحها ومصالح الغرب معاً في المنطقة، والسبب الآخر أن الداخل الإيراني لا يتحمل بقاء العقوبات وهي بحاجة لتقوية هذا الداخل. بالنسبة لنا فهذا الاتفاق حتى وإن جرى وفق هذا السيناريو فإننا أمام خطر كبير يجعل من إيران قوة إقليمية وهي وإن كانت مقيدة إلا أن قيودها تراعي مصالح الغرب على حساب مصالحنا، وتجعلنا أمام تحالف خطر له تبعاته، وسآتي على ذكر أهمها في المقال اللاحق. .. وللحديث بقية