كنت قد ذكرت في المقال السابق أن للاتفاق النووي الأخير تبعات على المنطقة بعد أن يطلق يد إيران فيها، وربما يحاول إعادتها شرطي المنطقة، لكن في الوقت نفسه أصبح الاتفاق بمثابة السلسلة التي وضعت في رقبة إيران وأمسكت أمريكا طرفها الآخر، فما الذي يمكن أن يفعله ذلك الشرطي المقيد في المنطقة؟ما حصل أكبر من مجرد اتفاق على تأجيل طموحات إيران النووية، فنحن أمام صفقة حوتها 100 صفحة بعشرات الملاحق تجاوزت البرنامج النووي إلى تفاصيل أخرى، هذه الصفقة مع ما فيها من امتيازات تتيح لإيران دعم الإرهاب في المنطقة إلا أنها تضع رأسها في القيد، وإيران قبلتها لأن وضعها الداخلي والخارجي لم يعد يحتمل البقاء تحت العقوبات والاتفاق يشكل لها متنفساً. أما أهم ما ستفعله في المنطقة عند بداية رفع العقوبات فهو الاستمرار بما تفعله الآن من دعم وتجهيز للميليشيات الطائفية ومزيد من التدخل في شؤون دول المنطقة ومحاولة التوسع فيها عبر إثارة القلاقل والفتن والتفجيرات هنا وهناك، ليس هذا سراً؛ فالمرشد الإيراني خامنئي أعلن أن الاتفاق النووي لن يغير سياسة دعم إيران لمن سماهم أصدقاءها في المنطقة، وأن إيران لن تتخلى عمن سماهم «المضطهدين» في البحرين واليمن، وليس سراً أيضاً دعوة عضو مجلس الشورى الإسلامي، ناصر سوداني، عملاء إيران في البحرين للاستعداد لمرحلة «الكفاح المسلح» في ظل تداعيات ما يجري في المنطقة.هذه الأعمال المتوقع حدوثها لن تدفع أمريكا لاستخدام القيود التي وضعتها على إيران وتعيد العقوبات عليها، لأنها ليست فقط ترضيها وإنما هذا ما تريده من الاتفاق؛ ليس حباً بإيران وإنما لأنه بمثابة الحجر الواحد الذي تضرب به أعداءها المتمثلين بالجماعات المتطرفة والنظام الإيراني معاً، فإيران ستدفع مزيداً من ميليشياتها التي تعد العمود الفقري لنفوذها في المنطقة، لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الذي بدوره سيستقطب كل المسلمين المتطرفين والمظلومين في العالم لمواجهة إيران باعتباره الجهة الأقوى والأكثر احترافية في مواجهة إيران، وبذلك تكون قد جمعت الميليشيات الطائفية وأفراد تنظيم «داعش» في بقعة واحدة وتتفرج على الصراع بينهم، بل وستحرص على عدم تغلب قوة على أخرى حتى ينتهوا جميعاً، عندها إذا انتهت الميليشيات ولم يعد لإيران تأثير في المنطقة أوقعت عقوباتها على إيران وفعلت تلك القيود، ولعل وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ألمح إلى دور إيران في مواجهة «داعش» عندما قال «الاتفاق يسهل تشكيل تحالف أوسع لمواجهة داعش».هذه العملية قد تأخذ سنوات ليست بالقليلة حتى تصل إلى إنهاء دور إيران في المنطقة، وخلال هذه السنوات ستمارس إيران دور الشرطي وستواجه المنطقة الكثير من الصعوبات والتهديدات بسبب تدخل إيران فيها، وعلينا ألا نثق بطمأنة أوباما لدول الخليج العربي، فأمريكا تاريخها حافل بالتطمينات الكاذبة.
Opinion
ماذا سيفعل الشرطي المقيد؟.. أهم تبعات الاتفاق النووي
22 يوليو 2015