عندما غزا صدام حسين الكويت؛ حشد العالم ضده جيوشاً ضخمة واستطاع خلال شهور قليلة من دحر قواته حتى انسحبت من الكويت، وهنا الحالة كانت احتلال دولة من قبل دولة أخرى. أما في حالة داعش فإننا نتحدث عن تنظيم سياسي متطرف استطاع احتلال أراض من سوريا والعراق، وعادت دول العالم وحشدت ضده جيوشاً ضخمة ولكنها لم تستطع حتى الآن من القضاء على تنظيم داعش، أو تقليص نفوذه، فلماذا هذه المفارقة؟ معظم تصريحات المسؤولين الغربيين حول الإطار الزمني للحرب ضد داعش يكون إطارها الزمني طويلاً، فأقل المدد الزمنية المتوقعة هي خمس سنوات وأقصاها بين العشرين والثلاثين عاماً. فلماذا تتطلب القدرات التدميرية كل هذا الوقت؟الحرب ضد داعش، حرب تستهدف تنظيماً سياسياً راديكالياً متطرفاً يعتمد على الإرهاب، والحرب ضده بها خطأ استراتيجي فادح، وقد يكون هذا الخطأ متعمداً ومقصوداً. الحرب ضد داعش هي حرب ضد تنظيم وليست ضد أيديولوجيا، وبالتالي يترتب على هذا المفهوم ملاحقة شخصيات وخلايا وتجفيف منابع التمويل فقط، ولكن استهداف الأيديولوجيا غير وارد تماماً في استراتيجية مواجهة داعش. أكثر من 30 دولة غربية وعربية حشدت طاقتها العسكرية والإنسانية لمواجهة داعش، ولكنها لم تحشد قدراتها السياسية من أجل اجتثاث الأيديولوجيا المتطرفة التي تقف وراء هذا التنظيم الذي يرفع شعار «باقية وتتمدد». المجهود العسكري والحربي الدائر منذ ما يقارب العام ضد داعش مهم جداً، ولكن الأهم منه سيكون محاربة التطرف داخل دول العالم، خاصة تلك التي باتت من البلدان المصدرة للإرهابيين عربياً وغربياً. استهداف تنظيمات الإرهاب لا جدوى له إذا تم تجاهل الأيديولوجيا باعتبارها المنبع والمصدر الأساس للتنظيم نفسه، واجتثاث الأيديولوجيا رغم تعقيدها، إلا أنها ممكنة، وليست مكلفة كما هو الحال بالنسبة للخيار العسكري الذي تم ترجيحه أكثر من غيره. وليس وارداً من قبل مراكز الأبحاث الغربية المؤثرة على صنع القرار استهداف أيديولوجيا داعش المنتشرة إلكترونياً، والمنتجة عبر العديد من المؤسسات والشخصيات، فمهما كان القضاء على المئات من كوادر داعش، فإن مقابلهم هناك الآلاف تم تجنيدهم وإرسالهم إلى مناطق نفوذ التنظيم في العراق والشام، وتكون العملية بلا جدوى.استهداف التنظيم وليس الأيديولوجيا يعني إطالة أمد الصراع في المنطقة، ولا يعني أنه سيتم القضاء على تنظيم داعش، أو الحد من قدراته على التمدد، ولا يعني أيضاً أنه سيتم وقف زيادة عدد الدواعش في يوم ما.