علقت زميلتي الدكتورة موزة المالكي من دولة قطر، وهي دكتورة في علم النفس ولديها مركز متخصص في العلاج النفسي، على مقالي السابق حول «الصف المقسم»، والذي سردت من خلاله قصة المعلمة الأمريكية جين إليوت، والتي قامت بتجربة على طلابها لتبين لهم النتائج السلبية لداء العنصرية والانقسام، حيث قامت بتقسيم الطلاب إلى قسمين، كل على حسب لون عينه، ونعتت جزءاً منهم أنهم أفضل من القسم الآخر، وسجلت هذه المعلمة السلوكيات العدائية التي قام بها الطلبة المضطهدون. تعليقاً على ما ورد في مقالي قالت الدكتورة موزة الماكي بصوتها وأسلوبها الهادئ برسالة صوتية: «تجربة رائعة جداً هي ما قامت به هذه المعلمة لتثبت لطلابها الأضرار السلبية الناتجة عن الانقسام والتفرقة والتمييز، لكن للأسف ماذا سيحدث للطالب نفسياً إذا ما كان المعلم يمارس التمييز على أرض الواقع من دون أن تكون لديه دراسة أو خلاصة يريد الوصول إليها؟!»، وأكملت «هناك العديد من المعلمين يخلفون لنا طلاباً مرضى بالعديد من الأمراض النفسية نتيجة لممارساتهم داخل الفصل، فالمدرس الذي يمارس سياسة التمييز بطريقة سلبية ينشر سياسة الإقصاء والتمييز مما ينتج عنه طلبة مرضى بالعداء والكراهية وعدم الإيمان بثقافة الاختلاف». استوقفني تحليل الدكتورة موزة العميق لأثر المدرسة في ترسيخ مفهوم التعايش وثقافة الاختلاف؛ ورحت أتذكر قصة روتها لي متدربة في إحدى الورش التي كنت أشرف عليها، حيث قالت لي «ابني يكره المدرسة؛ فهو يشعر دائماً بعدم الانتماء لها؛ وحيث إننا من من حظينا بشرف كسب الجنسية البحرينية كان ابني طفلاً منطلقاً وموهوباً قبل التحاقه بالمدرسة؛ ولكنني لاحظت أنه بدا أكثر عصبية وعدوانية بعد التحاقه بالمدرسة، كما أنه أصبح أكثر انطواءً ويكره اللعب مع أقرانه، حاولت التعرف على الأسباب التي أدت لهذا التغير في تصرفاته، وبمواجهته وإصراري على معرفة السبب قال لي أمي.. أنا أكره المدرسة.. الجميع هناك ينعتني بالمجنس». تقول الأم: «صدمت من كلام ابني الذي لم يتجاوز الـ8 سنوات؛ كيف له أن يعرف هذه الكلمة المسمومة؟!»، وقالت لي: «أتمنى أن أحصل منك على حل، فقد بدأت أخسر ابني بسبب التمييز الذي يعاني منه في مدرسته، ولو أن لدي قدرة مالية لأرسلته لإحدى المدارس الخاصة التي تؤمن وترسخ ثقافة الاختلاف وتعززها، وهناك كثير من المواقف التي شاهدتها بأم عيني؛ عدد من الطلاب ينعتون طالباً آخر بأصوله الآسيوية أو العربية! أيعقل أن ينعت طفل في مدرسته بلفظ «مجنس!» أيوجد أعظم من هذا التمييز؟». لم أجد إجابة شافية لهذه الأم ولا لابنها، فالموضوع يتعلق بثقافة البيئة المدرسية، وهي أكبر من أن أجد لها حلاً. أعتقد بأنه على الإدارة المدرسية أن تجرم وتحرم كافة الألفاظ التي تدعو إلى التمييز العنصري أو العرقي أو الأيديولوجي أو الديني، كما أن عليها أن ترسخ مبدأ ثقافة الاختلاف وتعزز التعايش من خلال الممارسة الحقة له، فلا يصح أن ينعت طالب بأي لفظ من هذه الألفاظ العنصرية بتاتاً. لست هنا بصدد الحديث عن «التجنيس»؛ فموقفي واضح من هذا الملف وذكرته مراراً وتكراراً في مقالاتي السابقة، ولكني ضد أن يجرح طفل أو يعنف نفسياً جراء أصوله أو ديانته أو لونه أو معتقده. وكلي ثقة بأن وزير التربية والتعليم لن يقبل أبداً أن يكون ضمن طاقمه التعليمي معلم لا يمتلك ثقافة الاختلاف، كما يجب أن يكون هناك منهج تعليمي لتعزيز ثقافة الاختلاف، ويجب أن ينتهج المعلمون أنفسهم هذه المبادئ ويطبقوها في الفصل المدرسي لكي نخلق جيلاً متآلفاً رغم كل اختلافاته، جيلاً لائقاً نفسياً لصنع مستقبل أفضل لبحريننا الغالية. وعلى وزارة التربية والتعليم أن تشيع مفهوم ثقافة الاختلاف بين الطلبة وتضع ضمن قوانينها الداخلية عقاباً رادعاً لمن يستخدمون الألفاظ العنصرية في المدرسة، سواء من المدرسين أو الطلبة، كما أنني أؤمن بأن اللوم لا يقع فقط على وزارة التربية والتعليم بل يتقاسمه كل من الإعلام والأسرة... وللحديث بقية