عندما يخرج معالي وزير الداخلية، الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، عن هدوئه ويصدر تصريحاً قوياً كهذا الذي صدر عنه قبل يومين؛ فهذا يعني أن الكيل قد فاض، وأنه صار لابد من وضع حد لهذا الاستهتار الذي تمارسه إيران والتدخلات السافرة في شؤوننا الداخلية التي تتعدى الكلام إلى الفعل المهدد للأمن وللاستقرار. ولولا أن لدى الوزير ما يكفي من أدلة تدين هذا التدخل لما فتح هذا الموضوع الذي إن لم يقرن بالدلائل سهل الرد عليه وأحرج الدولة. ثلاثة أمور تمارسها إيران ضد البحرين كلها واضحة للعيان وليست جديدة؛ التصريحات المتجاوزة التي تصدر بين الحين والحين، والتي آخرها التصريح غير المسؤول الذي جاء على لسان مرشدها الأعلى، «بط البرمة» واعترف أن إيران هي من وقفت وراء المخربين في البحرين على مدى السنوات الأربع والنيف الماضيات، وأنها ستستمر في دعمها لهم بعد أن وصف شعب البحرين بـ»المظلوم»، والإعلام البذيء الذي لم يتوقف منذ سنوات ويفتح المجال لكل من يرغب في الإساءة إلى البحرين «كي يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بذلك»، ومثاله البرنامج الذي تبثه فضائية «العالم» يومياً على الهواء مباشرة وتعيد بثه مسجلاً عدة مرات في اليوم، وتستضيف فيه بلا حياء «مواطنين» من الداخل غررت بهم وزينت لهم سب وشتم القيادة والوطن.الأمر الثالث هو دعم العمليات الإرهابية من خلال المساعدة في تهريب الأسلحة والمتفجرات وتدريب العناصر الإرهابية وإيواء المجرمين الفارين من وجه العدالة، وهو ما يتوفر عليه ألف دليل ودليل، يضاف إليها اعترافات المتورطين في هذه العمليات. لولا كل هذا الذي تقوم به هذه الدولة «الجارة» لما دعا الوزير إلى إطلاق حملة إعلامية ضد أفعالها «الشينة» هي بمثابة صرخة في وجه معتد أثيم يصر على عدوانه ومستمر في تدخلاته في شؤوننا الداخلية، فللصبر حدود، وهذا الذي استمرأته إيران مرفوض شكلاً ومضموناً. في حال كهذه لا يتوفر فيها للمواطن سلة خيارات ولا يكون إلا أمام خيارين لا ثالث لهما؛ الأول هو القبول بالتدخل في شؤون وطنه والسكوت عن ذلك، والثاني هو رفض التدخلات الإيرانية وبقوة، فالولاء لا يمكن أن يكون لطرفين في آن واحد، والمواطن البحريني إما أن يكون موالياً لقيادته فيدافع عن وطنه ويستبسل في ذلك أو يقبل بأن يكون تابعاً وموالياً لإيران فيفقد الاحترام والتقدير. لكن، هل يكفي بعد هذا الذي تفضل به وزير الداخلية الاكتفاء بإصدار البيانات والتصريحات ثم السكوت وكأن شيئاً لم يكن؟ خروج الشيخ راشد عن صمته وهدوئه يعني أن الخطب جلل، وفي هذه الحالة لا يكفي إصدار البيانات والإدلاء بالتصريحات؛ وإنما لابد من أن يتبع ذلك عمل يؤكد هذه المواقف، فالمواطنة والولاء أمور لا تكون بالكلام وإنما بالعمل. لا يكفي أن يقول المواطن إن ما قاله الوزير صحيح وإنه يؤيده، فهذا كلام لا قيمة له إن لم يقرن بعمل يؤكد تأييده لما قاله الوزير ويسانده. لولا أن الكيل فاض لما دعا الوزير إلى ما دعا إليه من اختيار أحد الطريقين، ولولا توفر الأدلة والبراهين على تدخلات إيران وإصرارها على الإساءة إلى وطننا لما خرج مسؤول بالحكومة ليعلن عن هذا الذي أعلنه، لأنه إن لم يتوفر ما يؤكده تسبب في أزمة دبلوماسية وحرج كبير، وهذه رسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى أولئك الذين آثروا طوال الفترة الماضية الوقوف على الحياد وتجرعوا الصمت.خروج الشيخ راشد بن عبدالله عن صمته وهدوئه يؤكد أنه لم يعد بالإمكان تحمل ما تقوله إيران وتفعله بغية إشاعة الفوضى في بلادنا وتهديد الأمن والاستقرار.