لعل من قارص القول أن «السلام» في الشرق الأوسط عملة لا نتداولها إلا بعد الأزمات الحادة، فكامب ديفيد خرجت من دخان حرب أكتوبر 1973، وبعد حرب تحرير الكويت 1991 خرجت من تحت صوت صافرات الإنذار والهجمات الصاروخية على تل أبيب مباحثات أوسلو ومؤتمر مدريد 1991، وتبعها مفاوضات موسكو 1992 التي نتج عنها اتفاقية أوسلو للسلام 1993 ثم اتفاق غزة - أريحا، ومعاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في وادي عربة 1994. وإذا استعاد أحدنا مطالعاته وتذكر ما قرأه أو سمعه عبر وسائل الإعلام حول الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «5+1» يلاحظ إطلالة خجولة متعمدة لمبادرة السلام العربية في الشرق الأوسط التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز 2002 لإنشاء دولة فلسطينية على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من الجولان، مقابل الاعتراف بإسرائيل. فمن خلال الاجتزاء الذي يشوه المحتوى أو يحرفه تناولت وسائل الإعلام لقاء مدير عام وزارة الخارجية الصهيوني دوري غولد في مؤتمر لمجلس العلاقات الخارجية في واشنطن مع زميلنا في مجموعة مراقبة الخليج اللواء د.أنور عشقي، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والمستشار السابق المقرب من الحكومة السعودية، وكأنه انفراج في العلاقات السعودية الإسرائيلية، بل إن الباحث الصهيوني موشيه معوز كتب يرى أن الخيار الأكثر احتمالاً هو إقامة مجموعة استراتيجية إقليمية، سنية إسرائيلية، لوقف تأثير إيران السياسي والاقتصادي، وأن يضعها أمام ردع عسكري ذي مصداقية، معتبراً أن الشرط الرئيس لإقامة مجموعة جريئة هو حل المشكلة الفلسطينية من خلال مبادرة السلام العربية 2002.- بالعجمي الفصيح..إن الجانب الإيجابي في ما يحدث هو أن فلسطين مازالت حاضرة ضمن ملفاتنا في زمن ضاعت فيه البوصلة، ولم يعد أحد يدعي معرفة الطريق للقدس؛ إلا رجال كعبدالملك الحوثي في أقصى الجنوب والبغدادي شمالاً وقاسم سليماني شرقاً. وأن تعود مبادرة السلام العربية 2002 بدوافع نووية أمر ليس مستحيلاً، إلا أنه ليس سهلاً، فرغم أننا في زمن تعاون الأعداء واختلاف الحلفاء، إلا أن تجاوز إيران «إثم» التعامل مع الشيطان الأكبر لا يعني بالضرورة تجاوز الخليجيين «إثم» التعاون مع الصهاينة لغياب مخزن الذكريات الأليمة المكتظ بجرائم الاحتلال والاستيطان الصهيوني بين واشنطن وطهران، بل إن الأهم من ذلك غياب المصلحة القوية للكيان الصهيوني لقبول المبادرة راهناً؛ إلا أن تل أبيب فسرت الاستدارة الاستراتيجية الأمريكية عن الخليج كخطوة لتخلي واشنطن عنها، باعتبار التعاون الاستراتيجي بينهما حلقة إمبريالية حققت أهدافها ضمن دورة تاريخية اكتملت ثم انتهت! وهو احتمال قد يدفع بمبادرة السلام العربية للنور بأسرع مما نتوقع.
Opinion
هل يعيد النووي الإيراني تسخين مبادرة السلام العربية؟
29 يوليو 2015