بعد أن بات الاتفاق النووي الإيراني حقيقة كانت متوقعة، ليس مهماً البحث في أسباب لماذا تم هذا الاتفاق؟ وليس مهماً البحث في دوافع الاندفاع الغربي تجاه إنهاء الملف النووي الإيراني؟ فجميع هذه الأسباب معروفة وأشبعت نقاشاً، ولكن الأهم الآن هو ماذا سيترتب على الاتفاق؟ وكيف يمكن لدول الخليج التعامل مع طهران صاحبة التاريخ السيئ مع دول الجوار العربية؟بداية لا يمكن النظر إلى إيران نظرة تقليدية، فهي ليست كأي دولة يمكن التعامل معها باعتبارها دولة من دول الجوار وإن كانت دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، فهي تعد من إحدى الدول القليلة في العالم التي قامت على الأيديولوجيا ومازالت قائمة عليها حتى الآن، ومادامت النظام الثيوقراطي قائماً في طهران، فإن الأيديولوجيا ستظل عنصراً أساسياً من عناصر سياستها الخارجية، ومحركاً رئيساً في مواقفها الإقليمية والدولية، وقبل ذلك كله أن لديها مشروعاً أيديولوجياً يقوم على تصدير الثورة مازال في فصوله الأولى. بهذه الحقيقة يمكن فهم كيفية التعامل مع طهران، لأنه من الاستحالة بمكان أن تكون هناك علاقات طبيعية بين طهران وأي بلد في العالم قبل أن تكون مثل هذه العلاقات قائمة بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي. العواصم الخليجية لديها الرغبة والنية لإقامة علاقات قوية مع طهران منذ سنوات طويلة، وترسخت هذه القناعة خلال حكم الرئيس الأسبق محمد خاتمي، ولكن الرغبة والنية لا يمكن أن يحققا هذا الهدف، فمخطئ جداً من يعتقد أنه بالإمكان إقامة علاقات طبيعية مع إيران. ولكن أقصى ما يمكن تحقيقه مع الجار الفارسي هو إيجاد مصالح مشتركة يمكن أن تستمر رغم تحولات المواقف السياسية، كما هو الحال بالنسبة لثلاثة نماذج وهي الإمارات والكويت وعُمان. كيفية التعامل مع إيران سؤال لا توجد له إجابة فردية، بل ينبغي أن تكون إجاباته جماعية وواضحة، بمعنى أنه لا يمكن لدولة خليجية أن تقوم بشكل منفرد بالتعامل مع طهران بمعزل عن الدول الأخرى إذا كانت هناك رغبة مشتركة في تعامل مشترك، ولكن هذا الاتجاه غائب ولا يبدو أن هناك اهتماماً خليجياً لتعامل موحد مع طهران رغم خطورة المسألة. دول مجلس التعاون الخليجي اختارت بإرادتها تعاملاً ثنائياً مع إيران، فهناك محوران داخليان، أحدهما يفضل تعاملاً رخواً، والآخر يفضل تعاملاً أكثر تشدداً، ويعتمد الخيار في كل محور على حجم المصالح وتقدير المخاطر لكل دولة. خياراتنا مع إيران ليست تقليدية، بل يجب أن تكون غير تقليدية تماماً وهذا ما يمكن أن يحجم من مخاطرها، ويقلل من تحديات المواجهة الباردة القائمة منذ فترة لأن النظام الإقليمي الخليجي يمر بفترة جديدة تقوم على الحرب الباردة.