ما تعلمناه في المدارس في دروس الجغرافيا والتاريخ تغيّر الآن، حيث تعلمنا أن الخليج العربي يعد منطقة استراتيجية مهمة للعالم، والغرب على وجه الخصوص، ولذلك اهتمت القوى الاستعمارية على مدى قرون بالسيطرة على ضفتي الخليج، ولكن هناك علاقات غير جيدة بين الغرب وإيران، ولذلك لجأ الغرب إلى التحالف مع العرب وليس إيران بعد اندلاع الثورة الخمينية عام 1979. مثل هذه المعلومات المدرسية الصرفة ليست ذات قيمة بعد الآن، وذهبت إلى تاريخ سيختفي قريباً، ولا أعتقد أن مدرسي الجغرافيا والتاريخ في المدارس الخليجية لديهم القدرة للإجابة على سؤال الطلبة فيما يتعلق بعلاقات الغرب مع إيران التي تحدد وزارات التربية إجاباتها النهائية لمثل هذا التساؤل، وبعدها سيتم تدريسه في المدارس. وإلى أن يتم ذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي وحلفاءها من القوى الإقليمية في الشرق الأوسط دخلت الآن مواجهة جديدة مع إيران، وصار النظام الإقليمي الخليجي في مرحلة صراع وحرب باردة بين العرب من جهة، وبين إيران وحلفائها الغربيين من جهة أخرى. الحرب الباردة التي عرفها العالم خلال القرن العشرين بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق اتسمت بحالة من اللاسلم واللاحرب، ومع ذلك حدثت مواجهات كثيرة، وحدثت حروب بالوكالة عديدة حول العالم. بنفس المفهوم فإن الحرب الباردة الخليجية التي بدأت مؤخراً ستستغرق وقتاً طويلاً، وستكون العلاقات الخليجية ـ الإيرانية علاقات لا سلم ولا حرب، وستكون هناك الكثير من المواجهات العسكرية في ضوء مفهوم الحرب بالوكالة، أو حتى مواجهات عسكرية مباشرة، كما تم في اليمن وسوريا والعراق. منذ أن تم التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، أعلنت الدول الغربية عدداً كبيراً من صفقات السلاح تقدر بمليارات الدولارات لصالح دول خليجية، وهذه الصفقات قبل أن يتم إعادة الأموال الإيرانية المجمدة والمقدرة بنحو 150 مليار دولار مطلع العام المقبل. وخلال الشهور المقبلة سيتم الإعلان عن صفقات سلاح جديدة لطهران من الغرب أيضاً، فالطرفان سيدخلان مرحلة هوس شراء الأسلحة، والمستفيد هي مصانع السلاح الغربية. الحرب الباردة أيضاً ستقود إلى ظهور عدة حكومات وجماعات في المنطقة تتبنى مبدأ عدم الانحياز، وبالتالي ستحاول عدم الانخراط في حالة الحرب الباردة الخليجية، ولكنها ستجد نفسها في منطقة تموج بالصراعات لا يمكن فيها النأي بالنفس والابتعاد والالتزام بسياسة انعزالية تماماً، فالخليج العربي صغير جداً، وأي توتر فيه كان داخلياً أو إقليمياً من شأنه أن يؤثر على كافة الدول المطلة على مياهه وفق نظرية تأثير الفراشة.