حتى يسير مجتمعنا بشكل صحيح، لابد وأن تسود فيه القوانين، ولابد بأن يخضع لها الجميع دون استثناء، ولابد من رفض التغاضي عن أي تجاوز أو إخلال بها.تجاوز القانون هو تجاوز لحق الدولة على المواطن بالالتزام بواجباته تجاهها، ما يعني أن هناك إخلالاً بأحد طرف معادلة «الحقوق والواجبات»، وهذا أمر لا يجب القبول به في دولة القانون.القوانين وضعت لتنظيم الحياة العامة، ولم توضع لتطبق على هذا و تتغاضى عن ذاك، والأخطر إن كانت القوانين معنية بالأمن القومي والسلم الأهلي وحماية الناس وحفظ الحقوق، هنا الإخلال بها يحول الدولة إلى «غابة»، ويحول القانون إلى مجرد حبر على ورق.نتحدث عن العدالة في التطبيق في شتى الاتجاهات، لسنا نتحدث هنا عن افتراضات واستقراءات غير مبنية على دلائل وشواهد، ولا نتحدث عن تطبيق يأخذ في الاعتبار أموراً أخرى غير نصوص القوانين.كل هذا الكلام الذي أوردناه يتحسس منه أشخاص، أو حتى جماعات، باختلاف توجهاتها وقناعاتها، ولكل أسبابه، لكننا نكرر القول بأن من يتخوف من القانون هو من يمتلك نوايا تجاه أمور لا تتحقق إلا بالقفز على القانون، وهذا ما نراه في أفعال جماعات وتحزبات لديها «شيزوفرينا» في عملية التعاطي مع القانون، إن كان لصالحها هتفت به وطالبت الدولة به، بل انتقدت الدولة بعنف لو قصرت في تطبيقه، لكنه لو كان عليها ويجرم ما تقوم به من ممارسة وفعل وقول لصرخت في اتجاه آخر واصفة تطبيق القانون بأوصاف الظلم والتمييز ونعتته بالظلم والإجحاف وغيرها.هذا التعاطي الانتقائي هو ما أخل بمجتمعنا للأسف، ويزيد الخلل إن سقط المشرع والطبق في فخ التأثر العاطفي والنفسي بالمتغيرات على أرض الواقع ليكون بالتالي تطبيق القانون انتقائياً، وتتخفف درجاته في جانب أو تتصعد في جانب آخر.ومع تأكيدنا وتشديدنا على الثقة بمؤسساتنا القضائية، إلا أن تفسير القوانين عبر طرق التطبيق هي ما تثير اللغط أحياناً في الشارع. فما يراه الناس جريمة قد لا يعتبره القانون كذلك، والعكس صحيح، وهذا لا غبار عليه من ناحية قانونية، لكن المشكلة كما بينا أعلاه حينما يوجد النص ويوجد القانون المتفق عليه بين السلطات المعنية لكن لا يكون هناك تطبيق بحذافير النص.لذلك، ورغم الجهود المبذولة مثلاً في جانب حفظ الأمن وصد الأذى عن البلد وردع الإرهاب، إلا أن الناس مازالت ترى في التطبيق حالة من عدم الاكتمال، وهذا ناتج عن تباطؤ في بعض الإجراءات، وإطالة في نظر بعض القضايا، وتباين في أحكام معنية بأشخاص معينين، وهنا من الجزم بأن لكل قضية حالتها الخاصة، إلا أن عملية التوضيح مهمة جداً لضمان وعي الناس وتعزيز النظرة الإيجابية تجاه القانون.عطفاً على هذا الكلام، نعود للنقطة الأولى القائلة بأن القوانين لابد وأن تحترم، ولابد من تطبيقها على الجميع، ولا يقبل بأن يكون التطبيق انتقائياً، لأن هذا التمييز بعينه، إذ لا يتساوى ميزان العدالة حينما يحاسب (مثلاً) من ينتقد إجراءات أمنية معينة بلغة قوية، وبين من يدعو لـ«سحق» رجال الشرطة بغية قتلهم ثم لا يستدعى حتى للتحقيق.نريد دولة القانون، نريد مجتمعا فيه الثواب وفيه العقاب إن أخطأت وتجاوزت القوانين، نريد تغيير الصورة النمطية التي سادت بسبب تداخل الحراك السياسي ومحاولات المقاربة والتحاور بالحراك القانوني المبني على النص والقانون.القانون، ثم القانون، ثم القانون، وبعد الالتزام به بما يعكس احترام الدولة وهيبتها، حينها تأتي الأمور الأخرى، إذ نحن في دولة لها كيانها ولسنا في غابة يعيث فيها من يفرد عضلاته الخراب ويتطاول على الآخرين.