نهاية يوليو الماضي بثت الإذاعة السويسرية تقريراً مهماً يتعلق بتأثير «الصفقة النووية» على العلاقات الخليجية مع تل أبيب، وتحدث التقرير الطويل عن أن «التطبيع» بات من خيارات دول الخليج العربية لمواجهة تأثيرات الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب. الصراحة السويسرية حول خيارات دول الخليج غير موجودة، في الإعلام الخليجي على الأقل، وليست علنية لدى الساسة الخليجيين، وحتى الباحثين السياسيين، رغم أن هذا الخيار مازال قائماً، ولكن الحديث بشأنه دائماً ما يرتبط بمخاوف تتعلق بالتطبيع والاتهام بخيانة القضية الفلسطينية والارتماء بأحضان العدو.خلال حكم الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن تم تكليف فريق خاص بإعداد دراسة خاصة حول مستقبل العلاقات الأمريكية - الإيرانية، وبالفعل تم إعدادها وقدمت الدراسة خياراً استراتيجياً لإدارة أوباما، وفي النهاية كان الخيار الأهم هو ضرورة التطبيع مع إيران بدلاً من اعتبارها عدواً استراتيجياً، فمكاسب التطبيع أكبر بكثير من خسائره، وهذا ما بدأ حالياً. هناك براغماتية أمريكية دفعت واشنطن في النهاية إلى البدء بشراكة مع طهران رغم التباين الأيديولوجي الكبير بينهما، والتاريخ السيئ الذي يعود إلى مطلع الثورة الخمينية. فأين هي البراغماتية الخليجية التي تقدر مصالح وشعوب دول المنطقة، وأمامها كافة الخيارات التي يمكن من خلالها تنفيذ استراتيجيات خارج الصندوق، واستراتيجيات لم نعتد عليها. شاهدنا البراغماتية الخليجية في منتصف التسعينات من القرن العشرين عندما بدأ التقارب الخليجي - الإيراني، وكان الوضع مثيراً حينها، فلم يعتد المعلقون والساسة الخليجيون على التعامل مع إيران كبلد «جار أو صديق أو حتى شقيق»، وما دفع دول مجلس التعاون إلى ذلك حينها إلا وصول المعتدلين الإيرانيين إلى سدة الحكم، ولكنها سنوات قليلة انتهت بانتهاء رئاسة خاتمي وعودة المحافظين مرة أخرى للسيطرة، فانتهى «شهر العسل» الخليجي الإيراني للأبد. دول المجلس عندما قررت التوجه نحو طهران حينها، كانت المصالح هي الأساس، فبدأت بتطوير علاقاتها مع الجارة الفارسية بكل براغماتية، ولكنها سرعان ما اكتشفت عدم جدوى سياسة التقارب لأنها تضر بالمصالح الخليجية أكثر مما تفيدها، وهو ما نعيشه اليوم. المطلوب براغماتية خليجية تبحث في كافة الخيارات المتاحة -وهي خيارات كثيرة بالمناسبة- وإن تطلب ذلك خيارات لم نعتد عليها في الخليج، بل يجب التسويق لها إعلامياً لإقناع الرأي العام الخليجي بجدواها وإمكانيتها، والفرص والتحديات التي يمكن أن تواجهها مادامت تخدم المصالح الاستراتيجية الخليجية.