«افتتاح قناة السويس الجديدة - هدية مصر إلى العالم»؛ هذا هو العنوان الرئيس للحفل العالمي لافتتاح القناة الذي أقيم أمس الخميس وسط حضور لافت من ملوك ورؤساء الدول، غير أن القارئ بين سطور هذا المشروع العملاق سينظر إليه من زاوية «رسالة مصر الأمنية إلى العالم!».مصر التي لا تعتبر فقط «أم الدنيا»؛ كوصف رائج عند العرب إنما «أم الأمن والعرب»، تبعث للعالم أجمع اليوم رسالة فعلية واضحة بأن من يحاول أن يختطفها أمنياً وسياسياً قد فشل وخاب مشروعه التفكيكي لدول المنطقة العربية، وبأنها هي من ستختطف وهمه وستجعله أضحوكة ومصدراً للتندر والطرف والفشل.قناة السويس الجديدة التي افتتحت تحمل العديد من المشروعات العملاقة التي ينتظر قطافها إخوتنا المصريون لأهمية هذه القناة التجارية والاقتصادية والتي تشكل حالياً 12% من حجم التجارة العالمية، ومن شأن هذا الافتتاح أن يرفع نسبة الأنشطة التجارية وعوائد القناة إلى 13 ملياراً سنوياً وزيادة القدرة الاستيعابية للسفن لتصل إلى 97 سفينة مستقبلاً بدلاً من 49 سفينة حالياً، كونها تعد أحد أهم المجاري المائية في العالم سترفع أيضاً معها عهداً جديداً لإنهاء محاولات شق الصف المصري وتقسيمه.وبلمحة سريعة عن القناة فهي تعد أهم ممر مائي عالمي يصل ما بين البحرين الأبيض والأحمر، والتي بدأ إنشاؤها مع قدوم الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 إلى حين قام الراحل جمال عبدالناصر بتأمين القناة عام 1956، مما تسبب في عدم تربح بريطانيا من القناة التي كانت تديرها ليتم إعلان حرب العدوان الثلاثي على مصر من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، مما يعكس أن هذه القناة التي تعد بوصلة العرب وأوروبا في ما يخص التجارة البحرية لها قيمة أمنية وسياسية لا تقل عن أهميتها التجارية والاقتصادية ليس على مستوى جمهورية مصر العربية، فحسب إنما على مستوى الوطن العربي كونها كانت مستهدفة من قبل الأطماع الخارجية للسيطرة عليها.لا يمكن إغفال أيضاً أن قناة السويس -كما استهدفت سابقاً- كانت مصدر قوة للجيش المصري أثناء العدوان الثلاثي الغاشم، حينما قامت بريطانيا وفرنسا بإنزال قواتهما في القناة لمحاصرة الجيش وإفقاد مصر سيطرتها على القناة ومن ثم قوتها الأمنية، أمام مؤامرة بين الدول الثلاث فرنسا وبريطانيا وإسرائيل، والأخيرة التي كانت لها طموحاتها في استكمال مشروع دولتها غير الشرعية من بحر الفرات إلى النيل، وبالطبع كانت القناة أحد الأبواب المهمة التي تمكنها من ذلك لولا بسالة وشجاعة الجيش المصري الذي تصدى لهذه المؤامرة وهزمها شر هزيمة مع نشاط قوات المقاومة الشعبية المصرية ومعارضة الاتحاد السوفيتي السابق وتهديده بالتدخل العسكري، أيضاً تعد هذه القناة أحد المداخل الأمنية لاستهداف مصر حالياً والسيطرة عليها وعلى مدخل مهم للتجارة البحرية في المنطقة العربية عموماً ومن ثم التأثير على اقتصاد الدول العربية.قناة السويس التي تعتبر أسرع ممر بحري بين قارتي آسيا وأفريقيا، وكانت من الممكن أن تتسبب بحرب عالمية ثالثة فقط بسبب أهميتها وموقعها الجغرافي الحساس هي اليوم انطلاقة مصر الأولى للعودة إلى مصر العروبة القوية الشامخة التي تنهض بشعبها وبأرضها وتعمرها من جديد، معلنة بذلك انتصارها على مشروع زعزعة أمنها وهدم استقرارها ومن ثم زعزعة الخليج العربي وبقية الدول العربية.إن مشاركة جلالة الملك المفدى في حفل افتتاح القناة يختصر رسالة من شعب مملكة البحرين المحب دائماً وأبداً إلى الشعب المصري العظيم الشقيق ومواقفه الداعمة لازدهار مصر ونهضتها، والشد على يدهم بأهمية الرجوع إلى البناء الاقتصادي المزدهر الذي يقوم على تنويع مصادر الدخل وجعل القناة واجهه اقتصادية مشرقة للعرب وركيزة أساسية في التجارة العالمية، فالبحرين مصر، ومصر البحرين والعلاقات التاريخية الممتدة بين البلدين ستكون بعد كل المنعطفات الأمنية التي مرت بكلا البلدين أقوى وأرسخ، خاصة وأن كلا البلدين قد قدما لبعضهما بعضاً الدعم الأمني أثناء المؤامرات التي مرت بهما خلال الربيع العربي للإطاحة باستقرارهما.المشروع المصري الجديد الذي سيساهم في تعبئة الرأي العام العربي ودعمه لنهضة مصر سيساهم أيضاً في لم الشمل المصري واتحاده لتسخير جهوده خلال الفترة القادمة في مجابهة تحديات افتتاح القناة التي من وضع يده عليها لتطويرها فهو قد وضع يده على خارطة التقدم الاقتصادي العالمي، فهذه القناة ستوفر آلاف فرص العمل الجديدة للمصريين، إلى جانب مضاعفة إيرادات ميزانيتها مما سكون له انعكاساته على مصر، ولعل اللافت في تطويرها التوأمة الحاصلة ما بين التطور الاقتصادي من جانب والتطور الإلكتروني من خلال الشروع في إقامة وادي التكنولوجيا، والذي سيضم صناعات إلكترونية وهندسية وطبية ومنطقة صناعية إلى جانب منطقة للصناعات الثقيلة ومركز للمعلومات ومجمع للخدمات التنموية ومجمع طبي ومراكز أبحاث وجامعة ومعاهد تعليمية حسب تقرير عرضته الـCNN.كل هذه المشروعات المهمة والرائدة من الممكن استقراؤها على بعد أمني للمنطقة العربية يواكب البعد الاقتصادي الذي ستكون له أبعاده في تحقيق الاكتفاء الاقتصادي والتكنولوجي مستقبلاً، فمحافظات القناة المصرية التي ستتحول لمراكز صناعية وتجارية وسياحية على المستوى العالمي ستوجد تنمية قد تتكاثر وتقتبس في دول المنطقة الأخرى.مصر اليوم لن تكون العمق الاستراتيجي لدول المنطقة فحسب بهذه الخطوة؛ بل إنها تقول بهذا المشروع للدول العربية إنه سيكون له توظيف أمني وسياسي وعمق اقتصادي وسياحي وتجاري سيزيد من الاستقرار وتلبية طموحات الشعوب العربية إلى جانب تعزيز العلاقات المصرية الخليجية، وبعبارة أدق البحرينية التي هي جزء من هذا المشروع.على صعيد متصل؛ أظهر استفتاء حديث للرأي حسب شبكة CBS الإخبارية حول العلاقات الأمريكية مع أهم عشر دول في العالم؛ أن مصر تحتل المرتبة الرابعة وتعتبر دولة حليفة عند الأمريكان بعد بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، مما يؤكد أن مصر تعتبر ركيزة أساسية على المستوى العالمي للاستقرار العربي والخليجي.مصر التي تعتبر بأنها أرض أقدم الحضارات تؤسس اليوم لحضارة عربية اقتصادية جديدة لتقول لفراعنة الإرهاب قد خاب ظنكم.. يحيا الشعب المصري وتحيا مصر!
Opinion
وفعلتها مصر!
07 أغسطس 2015