لا يمكن أن يعيش مجتمع من المجتمعات دون الحصول على مقومات الثقافة، ومن يظل منهم كذلك، يبقى مجتمعاً جافاً لا روح فيه ولا حياة. إن المجتمعات التي لا تعيش يومها ونهارها على القراءة والكتابة والمسرح والموسيقى والسينما وبقية الفنون الإنسانية الأخرى، لهي مجتمعات ميتة، لأنها تفتقر إلى أهم دعائم النهضة الثقافية في عصر تزدهر فيه هذه الحركة في الدول المتقدمة كأوروبا وأمريكا.عدم إقرار الميزانية المعتبرة لوزارة الثقافة بشكل كامل حتى هذه اللحظة أو إقرار نصف الميزانية للكثير من فعالياتها للعامين القادمين، يعتبر كارثة لدولة اعتادت أن يشتغل فيها الفن في كل عام، إلى جانب الفعاليات الثقافية الأخرى، فليس من المنطقي أبداً أن يظل المسرح الوطني -على سبيل المثال لا الحصر- بلا أية فعالية من طرف وزارة الثقافة، فنحن الآن سوف نقارب على العام، ولم تستطع الوزارة أن تنظم فعالية ثقافية واحدة عبر المسرح الوطني بسبب عدم وجود ميزانية تحرك هذا الصرح الكبير الذي كان يقصده كل البحرينيين وكل السياح الذين كانوا يتقاطرون عليه من كل دول العالم. اليوم نمر إلى جانب المسرح الوطني وهو بلا حياة ولا فاعلية تذكر. ربما يطلع بعض عشاق الظلام ليعطونا دروساً في ترتيب الأولويات الوطنية، متجاهلين بل ومحرمين كل الفعاليات الثقافية التي تفتح آفاقاً رحبة للإنسان في شتى المجالات، وذلك على أساس أنها من الكماليات وليست من ضروريات الحياة، بينما هذه القضايا التي تتعلق بحس الإنسان وروحه ووعيه وحضارته وثقافته وإبداعاته، هي التي تصرف لأجلها المليارات في الدول المتحضرة، أما السياسة فهي آخر اهتماماتهم بالنسبة للإنسان عندهم.حين ينشغل المجتمع، خصوصاً شريحة الشباب بالفعاليات التي تعنى بالفن والثقافة والأدب في البلاد، تلكم التي تركز بشكل خاص على الثقافة النوعية، سيكونون أكثر وعياً بأهمية الإنسان وأكثر اهتماماً بتطوير مداركه الحسية والروحية والإنسانية من خلال حزمة من الفعاليات التي تنمي هذه الحواس في داخله، وبعدها لن يكون هنالك وقت لدى المجتمع الراقي في الانشغال بتوافه السياسة أو بالحروب الطائفية والصراعات التي تعطل من وعيه وقيمته الحقيقية.نحن اليوم نطالب الدولة وجميع النواب وحتى أعضاء مجلس الشورى وكافة أعضاء منظمات المجتمع المدني بالالتفات لمشاريع الثقافة في البحرين، تلكم المشاريع التي توقفت بفعل عدم إقرار موازنة محترمة تليق بالثقافة في البحرين، فالشباب البحريني اليوم في غاية الحماس والتطلع لإقرار موازنة ملائمة لـ»الثقافة»، تعيد إليه مسيرته وهو يشارك بكل جد في فعاليات المسرح والتمثيل والفن والموسيقى وغيرها من أدوات الثقافة الإنسانية.تمتلك البحرين اليوم كما الأمس العديد من مقومات السياحة الناجحة، كالمواقع الأثرية الكبيرة وكذلك المسرح الوطني هذا الصرح العملاق وغيره من المنشآت الثقافية المعتبرة، إضافة لوجود كوادر تحترم كل هذه المقومات وتسعى من أجل تسويق البحرين عالمياً ووضع المنامة على خارطة العواصم الثقافية، وعلى رأس أولئك معالي وزيرة الثقافة، هذه المرأة التي ساهمت بشكل واضح وجلي في جلب كل الأنظار إلى المنامة عبر فعاليات صنعتها من خلال وعيها بأهمية المستقبل قبل الحاضر في وطن يملك كل عبق يرشدنا نحو الحضارة.اشغلوا شباب الوطن بالفن والثقافة والموسيقى والمعرفة، واجلبوا لأرض دلمون كل الذين يحبون أن يروا البحرين في صورتها الحضارية عبر سلسلة من الفعاليات الثقافية والفنية، وهذا لن يكون إلا بتمويل مشاريع الثقافة والسياحة بموازنة تشبع نهم المتعطشين لكل ينابيع الثقافة والأدب والفنون الراقية، وحتى يعود للمنامة وهجها عبر تلكم الفعاليات التي افتقدناها منذ أمد طويل، يجب على الجميع الاعتراف بأن الثقافة أولوية وليست من الهوامش في حياة الإنسان البحريني.