في السادس من سبتمبر من العام 2012 تقدمت هيئة الإذاعة البريطانية الـ«بي بي سي» باعتذار بالغ لملكة بريطانيا إليزابيث الثانية لنشرها حديثاً خاصاً كان يفترض ألا ينشر على لسانها.والقصة التي اشتهرت باسم «خيانة ثقة الملكة» تفيد بأن مراسل الهيئة الشهير البريطاني فرانك جاردنر كشف عن حديث دار بينه وبين الملكة لم تمنح الضوء الأخضر لنشره، أعربت فيه عن استيائها من تعرض بلادها ورعاياها للإهانة من قبل المتهم بالإرهاب أبوحمزة المصري الذي روج لأفكار القاعدة في بريطانيا ومارس التحريض والكراهية والعنصرية، وأنها سألت وزير الداخلية عن القوانين التي انتهكها هذا الإرهابي.وأعربت الـ«بي بي سي» عن خالص أسفها للملكة التي استاءت بشكل كبير، كما أعرب جاردنر نفسه عن أسفه البالغ وحرجه وقدم اعتذاراً رسمياً للقصر.للعلم فقط، فجاردنر الذي حادثته شخصياً في عام 2012 خلال إعدادي لرسالة الماجستير بشأن الجزء المعني بتعاطي وسائل الإعلام البريطانية والأخص الـ«بي بي سي» مع أحداث البحرين في 2011، هو المراسل الذي جاء للبحرين ليتقصى عن حقائق الأمور، بعد لغط كبير بشأن ضياع مصداقية القناة البريطانية في تغطية الأحداث لدينا، ونتج عن ذلك التقرير الصادر عن مجلس الثقة بالقناة أفاد فيه بأن التغطية لأحداث ما أسمي بـ«الربيع العربي» لم تكن حيادية، وبين تقرير جاردنر عن البحرين الذي جاء في 11 صفحة نقاطاً مهمة، تكشف بعضاً من حقيقة ما حصل، خاصة المعنية بالمظاهرات والتحريض وشعارات إسقاط النظام، واعتراف الـ«بي بي سي» في التقرير بأن إحدى مراسلاتها في البحرين وهي من جنسية آسيوية لم تلتزم المهنية في التغطية، وكانت تقوم بتغطيتها بمعية شخصية نسائية معارضة ووصل بها الأمر لمشاركتها في مسيرة انتهت باعتداءات بالمولوتوف على الشرطة.في الحادي عشر من نوفمبر من عام 2012، قدم المدير العام لـلـ«بي بي سي» جورج أنتويستل استقالته فقط بعد شهرين من تعيينه، وذلك بسبب نشر القناة لتحقيق يتهم فيه مسؤولاً سياسياً سابقاً في حزب المحافظين باعتداءات جنسية في منزل للشبان في السبعينات.الهيئة قدمت اعتذاراً سريعاً وفورياً على بث التقرير في برنامج «نيوز نايت»، خاصة وأنه رغم عدم ذكرها اسماً، إلا أن اسم وزير المالية السابق أليستير ماك ألبين قفز للواجهة وتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي، كما أشارت إليه صحيفة «الجارديان». ألبين الذي كان وقتها عضواً في مجلس اللوردات ندد بهذه الادعاءات واعتبرها قذفاً وصرح محاموه بمقاضاة القناة وكل من تداول هذه المعلومات حتى في وسائل التواصل الاجتماعي.المهم، أن مدير القناة أنتويستل قال في إعلان استقالته ما يلي: «قررت أن الشيء المشرف الذي علي أن أفعله هو الاستقالة، ونظراً لكوني المدير العام فأنا رئيس التحرير والمسؤول في نهاية الأمر عن مضمون كل البرامج».هذا موقف من شخصية إعلامية، صدر عنها لأنها تؤمن بمسؤوليتها تجاه مصداقية كل ما ينشر، وأن الاعتذار واجب إزاء أي خطأ أو إخلال بالأعراف المهنية أو استهداف شخصيات أو إثارة بلبلة في المجتمع.أخيراً وليس آخراً، في الرابع من أغسطس من عام 2011، تقدمت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية وكاتبها المعروف روبيرت فيسك باعتذار شديد وأسف بالغ للمملكة العربية السعودية ولصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رحمه الله، بعد نشر مقال زعم فيسك فيه أن الأمير نايف وجه قوى الأمن لقمع مظاهرات بالرصاص في أحد أحياء السعودية.المملكة رفعت دعوى على الصحيفة والكاتب، وتبين في المحاكمة أن الكاتب استند إلى «وثيقة مزورة». ورغم أن الصحيفة والكاتب حاولوا تصحيح الأمر في ما بعد، إلا أن قرار المحكمة ألزمهم بنشر «اعتذار علني صريح» ودفع الغرامة المالية التي أقرتها المحكمة لصالح الأمير نايف، وهذا ما تم بنشر إعلان وأسف للأمير وللسعودية.الخلاصة، الصحافة والإعلام أدوات قوية في عالمنا المتسارع، والخطورة حينما تنحرف هذه الأدوات عن لعب دورها الصحيح في نشر الأخبار والمعلومات وتنوير الناس، وممارسة دورها في انتقاد الأخطاء وكشف القصص المختلفة بـ«الأدلة والبراهين»، والأهم لعب دورها كأدوات بناء للمجتمعات. حينما تنحرف عن هذه المحددات، فإن القوانين هي الرادعة لهذه التجاوزات، هي التي يفترض بها تصحيح مسار أي وسيلة تعرضت لاختطاف فكري أو أيديولوجي أو تقوم ممارساتها بناء على أجندات. والقانون في كل الدول شديد الصرامة حينما يتم فبركة الأخبار ونشر المغلوطات، أو استغلال المساحة التي أتاحتها حرية التعبير لإثارة المجتمع أو تقسيم أفراده أو بث الفرقة بينهم، والأخطر إن تحولت هذه الوسائل لأدوات تحارب الدول والأنظمة والقانون بشكل ظاهر أو خفي.- اتجاه معاكس..الـ«بي بي سي» اعتذرت بشدة وتأسفت ونشرت أسفها بالخط العريض للملكة، وفي فضيحة نشر أخبار غير صحيحة وإساءة للمسؤولين اعتذرت وتعرضت للمساءلة القانونية واستقال مديرها على الفور إقراراً منه بمسؤوليته عن كل مضمون ينشر فيها.هذا ما يحصل في الدول العريقة التي بعضهم ينادي باتخاذها نموذجاً في الممارسات لدينا في البحرين، بالتالي ليتكم تمنحونهم ما يطلبون!