سؤال بدأ ملحاً في ذهني وأنا ألتهم رواية «لخضر» للكاتبة الجزائرية ياسمينة صالح، هل الإرهاب صناعة عربية بامتياز أم أنها مستوردة، وبفعل فاعل محلي؟اتفقنا أو اختلفنا؛ فالإرهاب مصنوع ولا يمكن تبريره، إنما أهدافه سواء إشاعة الموت والدمار، فهناك مصالح ترتسم مع كل تفجير يأخذ في طريقه ضحايا لا ناقة ولا جمل لهم فيما تصوغه أدمغة تجلس في مكاتب باردة وتحاول إعادة رسم خرائط الجغرافيا، وإمالة الصراعات الإقليمية لصالحها، وتحديد من هم الأبطال القادمون على سفن تمخر في عباب بحار الدم.والذين يعتقدون أن الاستهداف بالقتل عمل مشروع وله سند شرعي، لا يختلفون كثيراً عمن يبررون القتل ويدفعون بأشخاص صنعوهم ليرهبوا الآخرين في «لخضر»، مرة باسم الوطنية زوراً وبهتاناً وأخرى «لتطهير البلد من المشتبه فيهم ولو بالخطأ»، ومرة يعتبرون فيها أن زيادة أعداد الناس سبب لأن يكون «الإرهاب وسيلة للتطهير البشري».وما يحدث راهناً في المنطقة هو ذات خطوط المنهج الذي اتبعته ياسمينة صالح في «لخضر»، رغم أنها صدرت قبل خمس سنوات، وهي تفضح سياسة الكبار الذين يعيشون دائماً في الجانب الآخر من المدن والذين يصنعون الإرهاب والقتل بين البؤساء والفقراء من أجل أن يعيشوا هم، بغض النظر عن الضحايا الذين يسقطون.كيف يفوت على الذين يعتبرون أنفسهم وطنيين أن القتل والتفجير لا يبني وطناً، إنما يخلق مجتمعاً يعيش الخوف وعدم الثقة والانهيار البطيء، كيف لم تنتبهوا أنكم تقودون حرباً بالوكالة لآخرين لا يتورعون في أي لحظة أخرى أن يتآمروا عليكم حينما لا يكون من فائدة في وجودكم سوى أنه حجر عثرة أمام أهدافهم واستراتيجياتهم الكبرى، والتي لا تشمل أحلامكم وأمانيكم.وها هم ضحايا آخرون يسقطون ونساء يترملن وأطفال ييتمون بتفجير مسجد قوات الطوارئ في أبها بمنطقة عسير في المملكة العربية السعودية، في لحظة صلة مع الله، دون أن يرف جفن للذي فجر نفسه وهو يمني النفس دخول الجنة بقتل أشخاص يصلون كما يصلي ويركعون كما يركع ويسجدون كما يسجد، أي فهم للدين هذا الذي يجعل البعض يقتلون من يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ هو ذات الفهم الذي جعل «لخضر» يشارك في صناعة القتل والدمار، لكن بمبررات أخرى، وكلها تسمى إرهاباً.«لخضر» رواية تستحق الوقوف عندها، فهي تعبير دقيق لما يجري من إرهاب في المنطقة، جلبته سياسات دولية وإقليمية تبحث لمصالحها عن منافذ تخترق بها حصون الوطنية هنا وهناك، وتوجهات بعض أبناء البلدان العربية الذين باعوا المبادئ والقيم لمصلحة دول أخرى من أجل بطولة زائفة خدعتهم بها بعض الجهات.