البحرين تشهد فترة من أطول فترات تاريخها إعلاناً للمواقف الشعبية ومواقف مؤسسات المجتمع المدني تجاه قضية محلية ـ دولية، فانشغال الرأي العام بقضية وطنية لفترة عادة لا يستغرق سوى أيام قليلة، ولكنه هذه المرة يعد انشغالاً طويلاً ويعكس الاهتمام الشعبي بقضية التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للبحرين. استنكار البحرينيين لتدخلات طهران كشف المستور، وانكشفت تنظيمات وتيارات أيديولوجياً وهي حالة فريدة في السياسة المحلية. في العام 2002 كان لافتاً انصياع جمعية «وعد» لأمر جمعية الوفاق ودخول الأولى في حالة المقاطعة للعملية السياسية بعد مقاطعة الانتخابات البرلمانية من العام نفسه، ولاحقاً انصاعت «وعد» مرة أخرى للوفاق بعد أن حظيت الأخيرة بتوجيه من رئيس ما يسمى بـ»المجلس العلمائي» الخارج على القانون، حتى وصلت المسألة إلى تخلي «وعد» لمبادئها التاريخية، وصارت تتحدث بلسان الوفاق، فلا يهمها إصدار البيانات عما تتعرض له الأمة من تدخلات واعتداءات إيرانية سافرة، بل صار الهم الأساس هو كيفية إرضاء المؤسسة الدينية التي يفترض أن لـ«وعد» موقفاً تاريخياً تجاهها. ننتقل إلى الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان التي يفترض أن تكون مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني المهمة المعنية بحقوق الإنسان، فهذه الجمعية رغم خمولها، إلا أنها باتت أداة من أدوات جمعية الوفاق وصارت عاجزة عن إدانة ما يتعرض له رجال الأمن من إرهاب وقتل من وقت لآخر، فما يهمها حقوق «المعتقلين السياسيين» باعتبارهم بشراً ويستحقون الدفاع عنهم فقط، أما بقية مكونات الشعب، أو رجال الأمن أو حتى الأطفال الذين تستغلهم الجمعيات السياسية والجماعات الإرهابية فليسوا بشراً وبالتالي لا ينبغي الدفاع عنهم. أخيراً هناك نادي العروبة الذي تأسس في العام 1939 وصار مركزاً لتيار البعث في البحرين منذ منتصف القرن العشرين، وهذا النادي رغم محاولات التيارات والجمعيات السياسية المختلفة تسييسه من وقت لآخر، إلا أن مؤسسيه وضعوا في نظامهم الأساسي عندما أسسوا النادي ما يلي: «إن أهداف النادي تتلخص كما ينص عليها دستور في بث الروح القومية وإيقاظ الوعي الاجتماعي ومحاربة الطائفية ونشر الثقافة العامة والإسهام في الإصلاح الاجتماعي»، هذا النص وضع قبل 76 عاماً، ويبدو أن القائمين على النادي تخلوا عن عروبتهم، وبالتالي بات إصدار بيان ضد التدخلات الإيرانية أمراً ليس ذا أولوية لديهم بقدر أهمية الانصياع لرأي الجمعيات السياسية الأخرى، والانصياع لموقف الوفاق من جديد. انشغال الرأي العام البحريني باستنكار التدخلات الإيرانية كشف مدى تورط التيارات والجماعات السياسية المختلفة، ووضع حداً فاصلاً بين الانتماء للأرض والانتماء للأيديولوجيا، وأعتقد أن المشهد السياسي بات واضحاً أكثر من أي وقت مضى، حيث صارت الأجندة السياسية هي الأهم على حساب المصالح الوطنية العليا، وعلى حساب الأمن والاستقرار، وعلى حساب وحدة وتماسك المجتمع.