استهوتني قصة ظريفة تحاكي واقعنا من أدبيات كليلة ودمنة صغتها بتصرف ومفادها أنه «في إحدى الليالي المقمرة تقدم أحد كبار كلاب الغابة ممن له ثأر قديم مع الأسد بطلب لتصفية الأجواء وإقامة حفلة عشاء، فوافق الأسد بحسن نية، وأمضيا معاً سهرة ممتعة تخللها تناول أنواع الطيبات واحتساء النبيذ إلى حد الثمالة، فأخذ المعتق مأخذه من الأسد، مما مكن الكلب من تنفيذ ثأره والغدر به، فشد وثاقه إلى جذع شجرة معمرة وغادر المكان خلسة.وما إن ضربت شمس الصباح في رأس الأسد حتى استيقظ مذعوراً ووجد نفسه في حال، فزأر زئيراً شديداً أسمع كل من في الغابة، فتجمعت بعيداً عنه رعيته وهالها منظره، فلم يتجرأ أحد على الاقتراب منه.وبعد فترة، مر كالعادة الحمار متكاسل، فناداه الأسد أن أدنو مني ولا تخف وفك قيودي ولك مني الأمان، فأجابه نعم مولاي على أن تمنحني نصف الغابة، فقال له: أبشر لك ذلك. فلما فك وثاقه وتنفس الصعداء قال له لن أمنحك نصف الغابة، فانزعج الحمار وقال له متعجباً، لم نعهد منك نكث العهود وأنت محترم بيننا وما جربنا عليك الكذب من قبل، أجابه الأسد نعم أنا كذلك. فقررت أن أمنحك الغابة كلها، فليس لي شأن وعيش بعد اليوم في غابة يغدر بأسدها ويربطه كلب غدار وينفض الجميع عنه في محنته ثم يفك وثاقه حمار».هذا حال أمتنا؛ فقد غدر بنا عدو شرس له ثأر قديم لا يستطيع الانفكاك منه، وطوقنا بوثاق تزداد حلقاته ووطأته يوماً بعد يوم، ولم يترك لنا وسيلة دفع بكثرة نباحه في المحافل الدولية وقلب الحقائق بشراء الذمم.التجأنا بعد أن انفض عنا الكثير إلى الحمار الأمريكي عله ينقذنا، لكن دون جدوى، فحمار الغابة بفطرته أنبل منه، فقد غافلنا واصطف مع الأعداء بدهاء، وأغلب الظن تصرف وانساق بغباء، وقد غرنا فيه كبر حجمه وناصيته، الذي تبين أنها كاذبة خاطئة خاوية من الذكاء ويجري دون فكر إلى مصالحه، وليس مصادفة أن يجمع من يتعامل معه من العملاء، كما في بغداد، بمنطقة سمّاها الخضراء.فليس للأمريكي بعد اليوم المقدرة على العثور على تلك الخيوط المتشابكة ليفك عنا الوثاق، والتي رمى بها الإيراني شباكه في وسط المنطقة وساعد المغزل الأمريكي في نسجها. فقد صرح رئيسهم أوباما بشأن الاتفاق النووي الإيراني وأدلى بأخطر وأقوى تصريح يصدر من أعلى مسؤول أمريكي، حيث قال: «إن إدارة سلفه ارتكبت خطأً عظيماً حينما وافقت على إزاحة صدام حسين وقتله، والذي كان يمثل العدو الأقوى لإيران وأسقطت العراق ثم مكنت إيران من احتوائه، مما سهل تنامي نفوذها في المنطقة وهي المستفيد الوحيد مما حدث وكذلك من ظهور تنظيم داعش الإرهابي». انتهى التصريح. فأين نصرف ذلك التصريح واعترافكم بجريمة سلفكم يا سعادة الرئيس؟ وكيف السبيل لإعادة من سكن القبور؟ بل كيف السبيل لإعادة العراق أرض الحضارات وبلد الرشيد والمنصور؟ والذي أصبح بسياستكم وسياسة سلفكم كغابة يتصارع فيها الوحوش ومرتعاً للصوص وقطاع الطرق، واستبدلتم رافديه بالدم وعلماءه ومفكريه بقطعان المتخلفين.وعرج قبل ذلك وزير خارجيتكم بصحبته وزير خارجية روسيا ليجتمعا بوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في الدوحة لطمأنة قيادات هذه الدول ولينقل رسالة إدارتكم التي فحواها أن سياسة أمريكا الجديدة مع طهران وملفها النووي يصب في صالح المنطقة دون مزيد من الإيضاح! فهل سنصدق تلك السياسة الجديدة ونضع مقدراتنا بين أيديكم ونضع يدنا على خدنا لننتظر النتائج، مثلما اتبعناكم في كثير من السياسات الفاشلة ثم يأتي بعد عقد أو عقدين رئيسكم ليسفه ويثبت فشل إدارتكم بتعاملها مع الملف النووي الإيراني ودونما أي اعتذار أو إصلاح لما خربته سياساتكم، وربما قد تم وضع المنطقة بأسرها بين فكي إيران. فكفاكم إخوتي غفلة، وإياكم أن تثقوا وتنساقوا خلف الأمريكي الذي غدا بسياسته كالحمار؛ فهمه الأوحد أن يتنعم بأموالكم ويرتع في أرضكم، فقد أورد من كان قبلكم المهالك وأورثهم الخراب والدمار.