من مآسي إخواننا في العراق أن التاريخ المكتوب قد سجل ممارسة المسؤولين العراقيين للفساد قبل غيرهم من بني البشر؛ لا لسبب إلا لأن الكتابة اختراع عراقي. ثم أنصفتهم نفس الأسفار التاريخية، فسجلت لهم استناداً لقانون حمورابي السبق في محاربة الفساد بقسوة. وفي نفس السياق لم تخل وسائل الإعلام الغربية من إشارات تتهم دول الخليج بإدارة علاقاتها الدولية عبر «سياســـة البترودولار» و«دبلوماسيـــة الدينار والريال والدرهم» و«مفاوضات حقائب السموسنايت».فهل الخليج -عن أو بغير قصد- مسؤول عن الفساد في العراق الشقيق؟يقول موسى فرج، رئيس هيئة النزاهة العراقية السابق، إن قادة الفساد في عهد المالكي هم الساسة والحكوميون الكبار، وقد أفضى الفساد لسقوط ثلث العراق بيد داعش، وانقطاع الكهرباء وانتشار الفقر ببلد يملك خامس أكبر احتياطي للنفط في العالم. وفي تقديرنا، إن التراخي الخليجي مع فساد الحكم في العراق تحت شعارات الأخوة العربية -التي لم يكن لها معنى بتواجد أصابع قاسم سليماني في كل مفاصل بغداد- كان مشجعاً على تمادي طاقم المالكي والمشرعين في عهده على ممارسة أعمالهم بعيداً عن الحكم الرشيد. ففي صيف 2008 أعلنت الإمارات شطب ديون العراق البالغة 7 مليارات دولار. وفي اليوم الأول للقمة العربية ببغداد مارس 2012م طلب العراق إسقاط ديونه في فترة ما قبل الغزو، وكانت تلك هي المرة الثانية التي يطلب فيها التحرر من الديون، بعد شطب نادي باريس 80% من ديون بغداد 2004. ولأنه لا يسدد ما عليه بلغت ديون العراق للسعودية 42 مليار دولار بعد أن كانت 19 مليار دولار بسبب الفوائد المتراكمة، وأخيراً وافقت الكويت على تأجيل دفع 4.6 مليارات دولار من تعويضات الغزو حتى 2017. وكان من اللافت للنظر أن رافق ذلك استجابة كويتية سريعة لطلب عراقي غريب بالمساعدة بشحنة من «الأسلحة الخفيفة»، وهنا نتساءل عن حاجة الحكم في بغداد للسلاح الخفيف -الذي لن يصد داعش- مادامت الأموال التي تنازلنا عنها قد صرفت لحماية رموز الحكم والمشرعين.فقط في قضايا الخوف من تبعات الفساد، تبقى الروايات القديمة صالحة للنشر في أي وقت، والأوضاع لم تتغير حين وصل رسول كسرى للمدينة لمقابلة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسأل أين قصر أميركم؟ ضحك الصحابة وقالوا: ربما تجد «عمر» في نخل المدينة، وهناك وجد رجل يغط في نوم عميق على الأرض بثوب مرقع ودون حراسة، يد وسادة ويد على عينه تحميه من وهج الشمس، حينها قفز رسول كسرى من «عصر عمر» إلى «عصر حمورابي» ثم «عصر المالكي»، حيث كلفة حماية المسؤولين في العراق تتجاوز 6 مليار دولار سنوياً؛ فقال بعد امتزاج أفكاره بوجدانه في اختياره للألفاظ المعبرة «عدلت فأمنت فنمت يا عمر».
Opinion
حمورابي والمالكي والخليج.. وفساد العراق بينهم
19 أغسطس 2015