لم أتوقع ردود فعل الناس على «اتجاهات» الأمس وأمس الأول، واللذين تطرقنا فيهما عن سوء إدارة بعض المسؤولين، وسياسة الإحباط التي يزرعونها في نفوس الموظفين.قصص عديدة وصلتني، حالات مؤسفة، استهداف صريح، وعيوب إدارية يخجل الواقع من ذكرها، وهو الأمر الذي يستدعي التفاتة جادة من قبل الدولة والأجهزة المعنية لهذه الظاهرة.هناك دول تقيس مؤشرات السعادة لدى مواطنيها، وتبني عليه عملياتها، إذ الهدف الأول لديها هو رفع هذا المؤشر، إذ كلما ارتفعت سعادة الإنسان برهن ذلك على أن الدولة بممارساتها وعملياتها ومسؤوليها يسيرون على الطريق الصحيح، وكلما تناقصت فإن هذا يعني وجود خلل وقصور.لا يستقيم الظل والعود أعوج؛ مقولة شهيرة تنطبق على بعض المطلوب منهم قيادة بعض القطاعات، حينما يفشلون في تأسيس سياسة إدارية صحيحة، من شأنها العمل على تحقيق متطلبات المشروع الإصلاحي من ناحية التطوير والنهوض، فمثلاً لا يمكن أن تتوقع تطوير البشر خلق كفاءات وقيادات وقدرات شبابية مستقبلية من قبل أشخاص لا يؤمنون بالتطوير، أو من قبل أشخاص لا يريدون منح أصحاب الطموح فرصة لـ «التنفس»، هنا فاقد الشيء لا يعطيه.وفي نفس السياق، لا يمكن تطوير خدمات معينة في الدولة من قبل أناس لا يعترفون بالتطوير ولا يقدرون عليه، بل لا يملكون مؤهلات ولا عقلية المطورين، هنا الاستثمار خاطئ في مثل هؤلاء الأشخاص.كذلك، حينما نتحدث عن التغيير وضرورته واحتياجنا الملح له، فإنك حتى تنفذ كل المشاريع المعينة بالتغيير، لابد وأن يكون المنفذون في مواقع المسؤولية من يؤمن بالتغيير، من يعملون وهمهم الأول والأخير تغيير الواقع إلى واقع أفضل، ويصل بمستوى فكره التغييري لبناء واقع سليم يخوله أن يسلم الراية بعد فترة لجيل قادم يأتي من بعده يعمل بنفس روحه وبنفس قناعته في شأن التغيير.كل هذا واقع معاش، يحتم علينا اليوم قياس «مؤشرات الإحباط» لدينا في قطاعات الدولة، يحتم علينا الوصول للناس، للموظفين، ومعرفة مشاكلهم وأسبابها، ومعرفة مقترحاتهم، ودراسة الحالات التي فيها شبهة تعمد وتقصد لزرع الإحباط وكسر المعنويات، وبعدها لابد من محاسبة ومساءلة لأي مسؤول يتعمد كسر طاقات البلد ويسد الأبواب أمامهم.لكن رغم ذلك، الأمانة تحتم علينا القول بأن هناك نماذج لإدارات صحية من قبل أفراد منحوا ثقة الدولة فأثبتوا أنهم أهل لها، فعملية التطوير مستمرة لديهم، عملية الاستثمار في البشر ديدنهم، التشجيع والتحفيز وخلق صفوف مستقبلية خطة ممنهجة يسيرون عليها، ولمثل هؤلاء المسؤولين تستوجب التحية ويفرض التقدير، فهؤلاء قادرون على أن يقيموا «الظل» طالما عودهم مستقيم وثابت.أخبار الأمس المنشورة في الجرائد تحمل كثيراً من الآمال والطموحات الجميلة بشأن مشاريع قادمة وحركة نهضوية واضحة، تطوير هنا، وتعمير هناك، تكريم لشباب الوطن المشاركين في فعاليات، حركة في مجال التنمية البشرية، وكلها أمور يقف وراءها مسؤولون نجحوا في فهم الحالة التي تمر فيها البلد، وأدركوا حاجتنا للعمل بأساليب تقدمية قائمة على التغيير والتطوير والبناء وزرع التفاؤل لدى الأجيال القادمة.خذوها كلمة صدق ومحبة لهذا الوطن، حينما نزرع الأمل والتفاؤل في الأجيال القادمة، حينما نمد لهم يد العون، حينما نشجعهم على التطور بدل كسرهم، فإننا هنا نخدم البلد أكبر خدمة، لأننا نقدم له امتداداً للمستقبل عبر طاقات شبابية كفوءة يمكن أن يعتمد عليها، لم تدمر بمعاول الإحباط.
Opinion
لا يستقيم «الظل» والعود «أعوج»!
20 أغسطس 2015