عندما انتصر اليابانيون على الروس في معركة تسوشيما سنة 1905، نظروا إلى وضعهم الاجتماعي فلم يجدوا فيه إلا كل الصفات التي يسمو بها الرجال ويرتقوا مراتب العزة والمنعة، فالمجد والفخر يحيطهم من كل جانب، ولأن اليابانيين يعتمدون على عقولهم في التقييم، فقد ارتضوا لأنفسهم كل صفات مجتمعهم إلا شيئاً واحداً رأوه لا يتناسب ومجدهم ولا يتوافق وعقولهم، ألا وهو التراث الديني للآباء والأجداد.فاجتمع كبراؤهم ووزراؤهم وعلماؤهم ليتخذوا ديناً يقبله العقل ويكون الدين الرسمي للدولة، وقالوا نحن أمة متمدنة ويجب أن يكون ديننا مبنياً على قواعد صحيحة لا تدع في النفوس ريباً، وتركوا طريقة اختيار الدين لرئيس الوزراء «تارو كاستورا» الذي قال نرسل إلى الدول المتمدنة خطابات رسمية ليرسلوا لنا العلماء والفلاسفة المتخصصين بالدين وعند وصولهم نعقد لهم مؤتمراً ليناقشوا أصول دياناتهم، فإذا اهتدينا إلى الدين الصحيح اعتنقناه وجعلناه الدين الرسمي، فوافق الإمبراطور وأرسل الخطابات وعقدت أولى جلسات المؤتمر في مارس 1906.راجع اليابانيون وضعهم الاجتماعي وهم منتصرون وفي عز مجدهم ليحققوا مزيداً من التقدم، فمن باب أولى أن يراجع وضعه من حلت به مصيبة وأورثته قيادته عداوة جيرانه وأهله، أقول هذا وقد لفت انتباهي محتوى كثير من الشعارات التي رفعها المتظاهرون «الشيعة» في العراق هذه الأيام، ضد نظام ديني انتخبوه بأنفسهم وحظي بدعمهم بعدما خاطب الحس الديني عندهم، كثير من اللافتات التي رفعت في المظاهرات كتب عليها عبارات مثل «باسم الدين سرقنا الحرامية» و«بغداد لن تكون قندهار» و»كافحوا تجار الدين ومن ارتدى العمامة» و«قشمرتنا المرجعية وانتخبنا السرسرية» و«عذراً يا وطن انتخبنا اللصوص نصرة للمذهب فظلمناك وظلمنا أنفسنا وظلمنا المذهب».وهناك شعارات خجولة حملت عبارات «إيران بره.. بره»، ولطالما طالب كثير من الشيعة العرب التمييز بينهم وبين الصفويين الذين تسلطوا عليهم وقادوا المشهد في مجتمعاتهم، والواضح من هذه الشعارات أن هناك اعترافاً وشعوراً بالندم بسبب تمكين الصفويين، ليس لأنهم سرقوهم ولم يرتقوا بهم ويصنعوا لهم مجداً فحسب، بل لأنهم صنعوا لهم تاريخاً أسوداً مليئاً بالدم والقتل واستعداء الآخرين.لا أطلب هنا من المتظاهرين الشيعة في العراق أن يطبقوا فكرة كاستورا بحذافيرها، ولكن أطلب منهم كونهم شخصوا المشكلة ولخصوها بشعاراتهم، فوجدوا أن تعاليم الصفويين -وليس التشيع- هي من أوصلتهم إلى هذا الحال، أطلب منهم أن يرتقوا بمطالبهم ويتجاوزوا الكهرباء والخدمات والوظائف، ويوحدوها بمطلب واحد يتلخص بـ «ارحل» ارحل يقولوها لتعاليم الصفويين، ارحل يقولوها لكل صفوي تسيدهم، ارحل يقولوها لنظام الحكم الصفوي بأكمله، ارحل يقولوها لإيران وميليشياتها، ليتمكنوا بعدها من التخلص منها والتعايش مع أبناء وطنهم، لا أقول هذا الكلام لشيعة العراق وحدهم، بل أقوله للزيديين أهل اليمن الذين لعب بهم الصفويون، وأقوله لمن لا يقبل أن يوصف بالموالي لإيران من شيعة البحرين، وغيرهم في باقي الدول فهذا هو مفتاح إصلاح أوضاعهم.