التصريح الذي أدلى به قائد قوات التعبئة (الباسيج) محمد رضا نقدي قبل أيام وتناقلته الفضائيات السوسة ومواقعها الإلكترونية وحساباتها على التويتر بصفة عاجل أراد منه طمأنة دول التعاون بأن إيران لا تتدخل عسكرياً في شؤون دول الخليج وبالتالي فإن عليها ألا تخاف ولا تقلق وتطمئن، لكنه بدل أن «يكحلها عماها»، حيث أضاف على هذه العبارة عبارة أخرى فقال «لو أن إيران أرادت التدخل في أزمة البحرين لانتهت الأزمة بأسبوعين».ولأن التصريحات السياسية يفترض فيها الدقة لذلك فإنه يسهل تفسير عبارة أن «إيران لا تتدخل عسكرياً» بأنها تقوم بالتدخل في شؤون دول الخليج العربي ولكن ليس عسكرياً وأن إيران كانت تفكر بالفعل في التدخل العسكري في 2011 والسنوات التالية وأن هذا الخيار لايزال مطروحاً، عدا أن العبارة تتضمن تهديداً صريحاً بالتدخل العسكري لو أنه لم يتم التوصل إلى إرضاء «المعارضة» في البحرين.الكلام نفسه قاله ذات مرة رئيس وزراء إسرائيل السابق إسحق شامير في مقابلة تلفزيونية، فعندما سئل عن أسباب عدم تمكن إسرائيل من وضع حد للانتفاضة الفلسطينية قال ما معناه أنك «تعلم أننا لو أردنا سحق الفلسطينيين جميعاً لسحقناهم ولكن المسألة مسألة أخلاق»!طيب؛ حتى أمريكا لو أرادت أن تسحق إيران وتزيلها من الوجود يمكنها ذلك في أسبوعين بل في أقل من أسبوعين، وحتى روسيا تستطيع أن تسحق أوكرانيا بضغطة زر.هذا النوع من التصريحات ساقط إلى حد التفاهة ويعبر عن قلة خبرة وقلة فهم للواقع، لأن الواقع يقول إن إيران لا تستطيع أن تفعل ذلك حتى لو جيشت كل شعبها بما فيهم العجائز والمليون شاب القابعين في السجون، لا لأن البحرين قوية إلى حد أنها تستطيع أن تسحق الجيش الإيراني ولكن لأن البحرين وإيران ليسا وحدهما في العالم ولأن من يشاركهما لا يمكن أن يقبل بمثل هذا التدخل فيتكالب الجميع على إيران ويعيقونها كما أعاقوها بقرار العقوبات الاقتصادية التي جعلت ملاليها يدركون حجمهم الطبيعي.ما قاله نقدي يدخل في باب الهراء لأنه هراء (وبالبحريني هرار)، وهو كلام لا قيمة له ويعبر عن تفكير طفولي تمتاز به القيادة في إيران، مثله مثل ذاك الذي يعلم جيداً أنه لا يستطيع أن يغلب الآخر حتى لو كان أضعف منه بنية فيقول «لو كنت أريد أن أغلبه لفعلت ولكني لم أفعل لكذا وكذا».من يعتقد أن إيران لم تتخذ قرار التدخل العسكري في البحرين لأسباب أخلاقية فهو مخطئ، لأن إيران لا تهتم بهذا الجانب وتؤمن بأن السياسة يجب أن تخلو من الأخلاق، ولولا هذه النظرة وهذا الإيمان لما فعلت كل الذي فعلت ولاتزال في العراق وسوريا واليمن ولبنان وفي كثير من البلدان. ليست الأخلاق والمبادئ هي ما يمنع إيران من ارتكاب مثل تلك الحماقة ولكن لأنها تعلم أنها ستضرب على رأسها قبل أن تقوم من مقامها وأنها ستكون الخاسر الأكبر، لأنه ببساطة لو أن إيران تستطيع التدخل العسكري في البحرين لفعلت منذ سنين، بل منذ أول يوم في التاريخ؛ فالبحرين بالنسبة لها غاية بدليل أنه لايزال يصدر عنها بين الحين والآخر تصريحات مفادها أن البحرين «مال مو».في كل الأحوال ما قاله قائد الباسيج ليس جديداً فقد قاله من قبل مسؤولون في إيران أكبر منه بكثير، ولكن كل هذه الأقوال لا قيمة لها لأنها تعبر عن ضعف وليس عن قوة، فالقوي لا يهدد. ثم لماذا هذا الجدل فاقد القيمة؟ لتجرب إيران حظها وتقرر التدخل العسكري في البحرين أو في أي دولة من دول المجلس لترى ما يحدث لها.