لا شك أن المظاهرات الجارية في العراق حالياً شكلت محنة مر بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أراد أن يحولها خلال الأيام الأولى منها إلى منحة، أو بالأحرى ليس هو وإنما من أشار عليه ووجهه برد الفعل هو من أراد أن يحولها إلى منحة، فكانت هذه المظاهرات فرصة تخلص بها من نوابه ونواب رئيس الجمهورية وألغى ودمج عدداً من الوزارات.كثيرون اعتبروا أن العبادي قلب الطاولة على نوري المالكي وباقي شركائه في السلطة، وتغدى بهم قبل أن يتعشوا به، خصوصاً سلفه المالكي، الذي كان ينوي إجراء انقلاب يعيده إلى السلطة التنفيذية بحسب ما تسرب من أخبار، ولذلك اعتبروا إلغاء منصبه وعزله انقلاباً على الانقلاب المتوقع، لكن الواقع يبين أن هذه الأحداث لا تعد قلباً للطاولة، فالمالكي وإن ترك السلطة التنفيذية فهو يمسك بكثير من خيوط النظام الحاكم في العراق وأبرزها القضاء الذي مازال بيده وتابعاً له، كذلك كثير من السياسيين وأعضاء البرلمان والمحافظين يتبعون حزبه، كما يحتفظ بمجموعة من الأوراق يلعب بها متى شاء أهمها الميليشيات التي تجمعت تحت ميليشيا كبيرة عنوانها الحشد الشعبي، وهي وإن كانت مقسمة في حقيقتها لكن أقواها وأهمها يتبع المالكي ويدين له بالولاء، بالإضافة إلى الوثائق والمعلومات والأدلة التي يمتلكها وتدين أغلب السياسيين الذين عملوا معه خلال فترة رئاسته وتورطوا بجرائم إبادة وتطهير طائفي يعلم هو تفاصيلها.لذلك قد يظهر للوهلة الأولى أن المالكي هو من سيقلب الطاولة الآن، فسيلعب لعبة القضاء من خلال تحريكه دعاوى على خصومه السياسيين وإظهار ملفات فسادهم وإجرامهم أو التلويح بذلك ليعقد المساومات والصفقات، كما إنه سيسعى إلى استخدام الميليشيات لفرض نفسه واقعاً لكن ذلك سيكون بشكل محدود، وقد يسعى لإيجاد وضع شبيه بالوضع الليبي الذي تتجاذبه سلطتان، أو أنه سيحاول فعل شيء آخر، لكن مهما كان ما سيفعله فلن يخرج عن عملية صراع داخل أطراف النظام الذي جاءت به أمريكا فكان بعضه تابعاً لإيران بالكامل والبعض الآخر يوالي إيران ومعها يوالي أمريكا وبريطانيا، حتى يضعف الجميع نتيجة هذا الصراع.وإذا تحقق هذا فلا يعني ذلك أن المالكي هو من قلب الطاولة لأن هذا سيكون مرحلياً خصوصاً وأن المالكي ليست له شعبية في العراق، إنما من سيقلب الطاولة حقيقة في العراق هي أمريكا التي ستجعل من الصراع فرصة تتخلص بها من كل أولئك الذين جاءت بهم، لكن ذلك سيأخذ وقتاً من الزمن.