صرح وزير الداخلية بأن هناك حزمة تشريعات قانونية جديدة قادمة في الطريق ستمنع خلط العمل الدعوي بالعمل السياسي، أخيراً. قد تكون هذه هي البداية والصحوة، إنما المطلوب أكثر من ذلك بكثير، المطلوب حزمة من التدابير تزيل جميع أشكال الحصانة السياسية عن أي عمل دعوي وتجبر المؤسسات الدينية ورجال الدين على الخضوع لجميع القوانين المدنية حينها سنكون قد عدنا إلى سكة القطار السياسي السليم.صحيح أن هذه القوانين ستمنع جميع رجال الدين من العمل السياسي وبعضهم يروج أن له دوراً في حماية النظام، وصحيح أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى فك الارتباط بين بعض التيارات الدينية والنظام، إلا أن للنظام حصيلة من التأييد والولاء تحصنه من الاهتزازات وتغنيه عن الاعتماد على أي من تلك التيارات التي هي أصلاً فقدت شعبيتها وقواعدها (السنية منها كالشيعية).فالمرحلة التي نعيشها الآن في البحرين وفي جميع الدول العربية خلقت أجواء للتمرد على جميع الأحزاب السياسية الدينية بكل مذاهبها، لقد صاح حتى الإنسان البسيط العادي الذي يعد المرجعيات الدينية مقدسة صرخ (كفرتونا بالدين) وجرب المواطن هذه الأحزاب فكشف العديد من عوراتها السياسية بل حتى الأخلاقية فلم تعد لها الحظوة والحصانة الشعبية كما كانت قبل عشر سنوات، وبالتالي فهو الوقت الأنسب لفك هذا الارتباط بينها وبين النظام السياسي والفطام عنهم.لقد تسببت هذه الحصانة والمظلة السياسية إلى تشوهات خلقية أصابت أجنة العمل السياسية منذ أكثر من عقد من الزمان بتشوهات خلقية في النشأة والتأسيس والتكوين حين وضعت أدوات العمل السياسي في يد المجتمع البحريني وتمتع بمساحة كبيرة من الحريات (ولسنا بصدد الدخول في جدل حول كبر تلك المساحة إذ يكفي أن نقارنها بمساحة الحريات السياسية في منظومة دول مجلس التعاون الإطار الحافظ للبحرين وأمنها القومي لنعرف حجم وكبر تلك المساحة التي يتمتع بها البحرينيون).إنما منذ اللحظة الأولى التي قرع فيها جرس بدء التداول لتلك الأدوات الدستورية في البحرين قرعنا نحن وغيرنا معنا جرس الإنذار بأنها ولادة مشوهة حملت في طياتها جينات الموت والدمار والخراب، ومخالفات دستورية جسيمة تتناقض مع روح وجوهر الحق السياسي، جينات بنت العمل السياسي على أسس طائفية خطيرة، إنما مع الأسف تم تجاهل كل الإنذارات التي أطلقت حينها.اعتقد النظام حينها أن منع قيام الأحزاب السياسية ومنع رجال الدين من عدم توظيف المنابر الدينية سياسياً سيحرمه من حليف يشكل توازناً حتى على صعيد العلاقات الاجتماعية في مجتمع تعددي كالبحرين.وكنا نراهن على المجتمع المدني وعلى المؤسسات والقانون، وعلى الأحزاب السياسية المدنية، حتى وإن كانت في طور التشكيل بل كنا نضمن للنظام أمنه واستقراره بميثاق وطني تم التصويت عليه بنسبة أقر بها حتى معارضيه وهي 98.4% نسبة تجعل أي نظام سياسي في حالة استقرار تمتد لعقود إن لم يكن لقرن من الزمن وتغنيه عن عقد أي تحالفات سياسية ثانوية، فالنظام يملك قاعدة شعبية عريضة تشكل لأي نظام سياسي حصناً منيعاً. بل إن فصل العمل السياسي عن العمل الدعوي في بداية تأسيس الأحزاب السياسية كان حامياً وحصناً للنظام من فتح باب التدخلات الخارجية وضماناً بحصر العمل السياسي المعارض ضمن الأطر الدستورية في إدارة الدولة لا في الصراع حول الدولة.وحصل ما حصل، ودفعت البحرين ثمناً غالياً نتيجة تجاهل هذه المخاطر ، مات من مات وخسرنا ما خسرنا من أرواح وتعرض اقتصادنا للتدمير، بعد أن فتحنا باب التدخل الخارجي بأيدينا لمجموعة من رجال الدين الذين قادوا المحاولة الانقلابية على الدستور وسلمناهم المفتاح.أخيراً اقتنعت الدولة بأن حصانتها هي بالقانون وليس برجال الدين ولا أحزابهم، لهذا أعجبني قول وزير الداخلية بالأمس إنه «بالقانون» ضبطنا الأمن والآن سنحفظه أيضاً بالقانون، فالقانون وحده من سيضبط الإيقاع السياسي ويصلح الخلل ويسد الثغرة التي جعلت من وكلاء إيران الشرعيين وجامعي الخمس لخامنئي قادة لأحزاب سياسية بحرينية!!