انطلاقاً من دورها كمنظمة عالمية معنية بصيانة السلم والأمن الدوليين، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ إنشائها وإلى يومنا هذا جملة من المبادئ والإعلانات الدولية رغبة منها في تلبية تطلعات الشعوب الإنسانية للعيش في سلام وتسامح وحسن جوار.وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم «2625» في الدورة «25» بشأن إعلان المبادئ الدولية المنظمة للعلاقات الودية بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وقد تضمن القرار ديباجة رسخت أهمية الإعلان من الناحية الدولية، تلتها مجموعة من القيم والمبادئ التي استقرت في ضمير المجتمع الدولي وأصبحت ملزمة أدبياً على أقل تقدير.حيث أكدت ديباجة الإعلان على أهمية مراعاة مبادئ القانون الدولي في العلاقات الودية بين الدول وتنفيذ الالتزامات تنفيذاً يحدوه حسن النية طبقاً للميثاق، كما أكدت أن مراعاة الدول للالتزام القاضي بعدم التدخل في شؤون أية دولة أخرى هو شرط أساس لضمان عيش الأمم معاً في سلام، لأن ممارسة أي شكل من أشكال التدخل أمر لا يقتصر على خرق الميثاق روحاً ونصاً، بل يؤدي كذلك إلى خلق حالات تهدد السلم والأمن الدوليين.ومن جملة المبادئ الواردة في الإعلان، المبدأ الخاص بواجب عدم التدخل في الشؤون التي تكون من صميم الولاية القومية لدولة ما، حيث تطرق القرار إلى مفهوم ومتطلبات هذا المبدأ، فأشار إلى عدم أحقية أية دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية أو الخارجية لأية دولة أخرى.وعلى صعيد متصل أيضاً، أكد المبدأ أن لكل دولة حقاً غير قابل للتصرف في اختيار نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون أي تدخل من جانب أية دولة أخرى.وبالتالي فإن كافة أشكال التدخل أو محاولات التهديد الأخرى التي تستهدف شخصية الدولة أو عناصرها السياسية والاقتصادية والثقافية تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولا يتسق والحال هذه مع تطلعات شعوب العالم في إيجاد مجتمع دولي متسامح وآمن خال من النزاعات.وفي التاسع من ديسمبر 1981، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلاناً خاصاً أيضاً بشأن عدم جواز التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول.يأتي هذا الإعلان في وقت تكررت ممارسات بعض الدول في التدخل في شؤون دول أخرى بلا مسوغ ومن دون أي مراعاة للمواثيق والمعاهدات الدولية.فأكدت في مقدمة الإعلان أنه وفقاً لميثاق الأمم المتحدة الحاث على وجوب احترام سيادة كل دولة – وبالأخص حق الجوار - فلا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى.وجاء أيضاً أن الجمعية العامة للأمم المتحدة ترى أن أي انتهاك لمبدأ عدم التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية والخارجية للدول يشكل تهديداً لحرية الشعوب ولسيادة الدول واستقلالها السياسي ولسلامتها الإقليمية، وتهديداً لتنميتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويعرِّض أيضاً السلم والأمن الدوليين للخطر.وشمل مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية للدول حسب ما ورد في الإعلان، العديد من الحقوق والواجبات الملقاة على عاتق الدول، منها:-1 سيادة جميع الدول واستقلالها السياسي، وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية، وأمنها.-2 واجب الدولة في الامتناع عن عقد اتفاقات مع دول أخرى تستهدف التدخل بأي شكل في الشؤون الداخلية والخارجية لدول ثالثة.-3 واجب الدولة في الامتناع عن القيام بأية حملة تشهيرية أو قذف أو دعاية عدائية بغرض التدخل بأي شكل في الشؤون الداخلية لدول أخرى.-4 واجب الدولة في الامتناع عن استغلال وتشويه قضايا حقوق الإنسان كوسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، أو لممارسة الضغط على دول أخرى، أو خلق عدم الثقة والفوضى داخل الدول أو مجموعات الدول وفيما بينها.وبعد هذا الاستعراض الوجيز لإعلان المبادئ الدولية المنظمة للعلاقات الودية بين الدول، والإعلان بشأن عدم جواز التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول، يتضح بجلاء في أحقية الدولة لاتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة لصد أي تدخل في شؤونها الداخلية والخارجية، فسيادة الدول بحسب المواثيق والإعلانات الدولية فوق أي اعتبار، وأن أي مساس لها يعد انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي الذي أوجب على الدول احترامها والعمل على نمائها لا للقضاء عليها سيَّما حسن الجوار، ومن حق شعوب العالم أيضاً أن تنعم بالعيش في عالم يسوده الأمن والسلام.* متخصص في الشؤون القانونية - ماجستير القانون العام
Opinion
التدخل في شؤون الدول.. هل يعد خرقاً للمواثيق والمبادئ والأعراف الدولية؟
26 أغسطس 2015