من التصريحات اللافتة والمثيرة للشفقة قول البعض إن الحكومة تريد بهذه القرارات أو تلك التي تصدر عنها تضييق الخناق على «المعارضة» لإنهاء «الحراك الثوري»، ذلك أن من الطبيعي أن تعمل الحكومة – وأي حكومة في العالم – في هذا الاتجاه، فمن غير المعقول أن تساعد الحكومة من يريد الإطاحة بها أو الإساءة إليها أو التقليل من شأنها وتعينه على فعل ما يريد، وبالتالي فلا بد من أن تتخذ الإجراءات التي تحمي بها نفسها وتضعف الطرف الذي يريد بها ذلك وإلا اعتبرت كمن اتخذ قراراً بالانتحار. في الأحوال غير الطبيعية، وفي الطبيعية أيضاً، تصدر الحكومات ما يكفي من القرارات التي تحمي بها نفسها، وهذا من حقها. وعندما تشعر أن مجموعة ما تشكل خطراً عليها فإن من الطبيعي أن تتعامل معها بطريقة تعينها على تقليل ذلك الخطر وإزالته، فليس من المعقول ولا المنطق أن تجلس متفرجة وكأن الأمر لا يعنيها. كل إجراء تعتقد الحكومة أنها تستطيع أن تحمي به نفسها من أي أخطار تحيط بها وتهددها لا تتردد عن اتخاذه، وكل إجراء يضمن لها استقرار الوطن وحماية الشعب لا بد أن تعجل باعتماده وتنفيذه، فهذا دورها وواجبها، وتقصيرها في هذا الأمر يقلل من شأنها. منطقاً لا يمكن لأحد أن يجلس هادئاً وغير مبال وهو يرى الآخرين وهم يحاولون إطاحته من الكرسي الذي يجلس عليه، هذا على مستوى الأفراد، فكيف على مستوى الحكومات ومن يمتلك السلطة؟ أما الفارق بين حكومة البحرين وحكومات أخرى كثيرة في العالم فهو أن تلك الحكومات لا تتردد عن حرق الأخضر واليابس وممارسة كافة ألوان القسوة ضد الجميع بمجرد شعورها بأن خطراً يتهددها أو قد يتهددها، بينما تراعي حكومة البحرين الكثير من الأمور وهي تتخذ القرارات والإجراءات التي تعتبر عادية وفي الحد الأدنى المتعارف عليه عالمياً. كل القرارات التي اتخذتها الحكومة هنا ضد المسيئين للوطن لم تصل ولا تصل إلى مستوى القرارات التي اتخذتها وتتخذها دول يعتبرها ذلك البعض نموذجاً ومثالاً يحتذى، وكل العقوبات التي اتخذتها كانت في إطار القانون وعبر القضاء والمؤسسات المعنية بالتشريع «نظرة إلى كيفية تعامل إيران مع المعارضة في الدولة الفارسية، بل حتى الأفراد والجماعات من غير المعارضة تكفي لتبين الفارق، ومن يقرأ عن أحوال الأحوازيين وما يعانونه يتبين له المقصود هنا بوضوح». من الأمور المثيرة أيضاً أن البعض هنا ينادي بالقانون ولكنه لا يقبل أن يطبق عليه، وإن طبق عليه اعتبره شاذاً وظالماً وأوجد فيه من العيوب الكثير، فهو فوق القانون، وهو ينادي بالدولة المدنية لكنه يرفض الأنظمة التي من حق الدولة أن تفرضها على الجميع ويرفض دولة المؤسسات التي ينادي بها ويملأ مساحات من ساعات بث بعض الفضائيات بتصريحاته عنها ودعوته إليها، فلا يقبل مثلاً أن تلزمه الحكومة الحصول على رخصة لممارسة نشاط معين أثبتت الأحداث أن تركه مفتوحاً ومن دون ضوابط يشكل خطراً على استقرار البلد ومستقبله، أو الحصول على ترخيص للخروج في مظاهرة أو مسيرة أو تنفيذ اعتصام، فهذه الممارسات التي يجيزها الدستور ويؤكد على أنها حق لا بد من تنظيمها بالقانون وبالإجراءات التي تكفل للآخرين أيضاً حقوقهم وللوطن السلامة. من يعتقد أن على الحكومة أن تقف مكتوفة الأيدي وسالبة وهي ترى كل هذا الذي يقوم به ذلك البعض لـ «ترحل» فهو من دون شك مخطئ، ومن يعتبر قوله بأن الحكومة أصدرت أو ستصدر هذا القرار أو ذاك للتضييق على «المعارضة» والقضاء على «الحراك الثوري» اكتشافاً فهذا يعني أنه يعيش خارج «الفورمة».