التنبيه الذي تنشره وزارة الداخلية بين الحين والآخر و»تهيب فيه بضرورة استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية وعدم الانسياق وراء ما يروجه البعض من شائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي» مهم، وتكرار نشره يعين على ترسيخه في الأذهان وليتحول بعد قليل إلى عادة وسلوك وثقافة. فالمعلومة ينبغي أن تستقى من مصادرها لضمان صحتها ودقتها، والانسياق وراء الشائعات يعين على انتشارها ويحقق هدف من يقف وراءها ويحدث بلبلة يعود ضررها على الوطن والمجتمع، خصوصاً في مثل هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد والتي تمتلئ فيها المنطقة بالأحداث التي تتسارع بطريقة غريبة ومثيرة. وبالتأكيد، فإن الرسالة ليست للعاملين في المجال الصحافي والإعلامي فقط ولكنها للجميع دون استثناء. فاليوم صار الجميع بطريقة أو بأخرى وبسبب مواقع التواصل الاجتماعي صحافييين وإعلاميين، فهذه الوسائل تتيح لكل فرد نشر كل مايرغب من معلومات وأخبار وشائعات من دون مراقبة. في هذا الصدد أتذكر كيف أن وكيل وزارة التربية والتعليم الأسبق الدكتور حسين بدر السادة، الذي كنت أعمل معه في ذلك الوقت كمسؤول عن الإعلام التربوي، طلب من أحد الصحافيين الذي نشر تقريراً عن موضوع معين في الصحيفة التي يعمل لصالحها وتضمن نقداً لاذعاً للوزارة زيارته في مكتبه، وأتذكر كيف أن الصحافي لام نفسه كثيراً بعد أن توفرت له المعلومات الصحيحة والدقيقة من المصدر وأدرك أنه ارتكب خطأً كبيراً كاد يتسبب في تخريب مشروع تربوي مهم وتدارك الخطأ بأن نشر تقريراً آخر تضمن المعلومات الدقيقة واعتذاراً. لكن إذا كان ممكناً تدارك خطأ في أمر كهذا أو غيره فإنه من الصعب تدارك خطأ يتعلق بالأمن، فالشائعات التي يتم نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تستهدف الأمن بالدرجة الأولى، واستهداف الأمن يعني استهداف كل المجتمع واستهداف الوطن. هنا مثال؛ فجأة تمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي بمجموعة من الأخبار عن الحالة الصحية لمحكوم وأنها تتدهور بسبب منعه من العلاج وأنه بسبب ذلك قاب قوسين أو أدنى من الموت، يتناقلها الجمهور على أنها حقيقة ولا تتردد المنظمات الحقوقية العالمية في اعتبارها معلومات دقيقة، فتصدر ما يطيب لها من بيانات لتشعر أنها مواكبة للأحداث وأنها قامت بواجبها والتزامها. لكن أحداً لا يكلف نفسه التأكد من المعلومة من مصادرها، والنتيجة قلق ذوي المحكوم وبلبلة قد تؤدي إلى فوضى بسبب ردود فعل البعض العاطفية وبيانات منددة وشاجبة وإدانات تصدر من كل جهة ومن كثير من الأفراد، بينما الحقيقة بعيدة تماماً عن كل ما انتشر.مثل هذا المثال يتوفر الكثير من الأمثلة يومياً، فهذا خبر عن إجبار محكومين أو موقوفين على التوقيع برفضهم العلاج، وهذا خبر عن مداهمات بالجملة لكل بيوت المواطنين في هذه القرية أو تلك، وخبر ثالث وخامس وعاشر عن أمور كثيرة الهدف من نشرها إحداث الفوضى ودفع من لا يعرف هذه الحيلة العظمى إلى المشاركة في أعمال ينتج عنها الكثير من الألم.من هنا، فإن تكرار نشر هذا التنبيه من قبل وزارة الداخلية من شأنه أن يقلل من الشائعات ومخاطرها ويؤسس لثقافة وسلوك مهمين، حيث المعلومة الصحيحة والدقيقة لا تتوفر إلا عند صاحبها فهو مصدرها، وحيث المعلومة الهادفة إلى نشر الفوضى وإحداث البلبة يتوفر لصاحبها كل وسائل التواصل الاجتماعي التي ينبغي التعامل معها بحذر رغم أهميتها وفائدتها. وطننا يمر بمرحلة غير عادية، وفي مثل هذه المرحلة ينبغي من الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم، واستقاء المعلومة من مصادرها تعبير عن تحمل المسؤولية، والانتباه للشائعات والتعامل معها بالكيفية التي ينبغي التعامل معها صورة أخرى من صور التعبير عن تحمل المسؤولية وحب الوطن.
Opinion
الحيلة العظمى
01 سبتمبر 2015