لم يعد خافياً على أحد أن ما يجري في بعض دول المنطقة العربية، وعلى وجه الخصوص سوريا والعراق، هو عملية تشبه أعمال الحفريات التي تحصل في الشوارع بسبب بناء منظومة صرف صحي أو بناء مترو أنفاق أو تغيير مسار الطرق، فهذه الدول حرثت حرثاً حتى باتت حطاماً، وأصبح أهلها إما تحت الأرض أو بين الحطام والمحظوظ منهم وجد له خيمة تؤويه أو «كرفانا» في مخيمات الزعتري وكردستان وتركيا.اللافت للنظر أن الأسابيع الأخيرة شهدت نزوحاً كبيراً لسكان هذين البلدين نحو أوروبا، سواء أولئك الذين في المخيمات أو الذين بقوا في مدنهم، فعبر الحدود إلى أوروبا أكثر من 300 ألف إنسان منذ بداية العام الحالي، في النهاية كلهم لم يخرجوا بطراً وإنما هرب من الموت، كما إن ذهابهم إلى أوروبا عبر البحر لم يكن اختياراً بين مجموعة أماكن، فهم لا يخططون لرحلة سياحية كما يفعل كثير منا كل صيف فيضع له جدولاً يقسمه بين لندن وباريس وألمانيا، ويخطط للعام القادم فتكون وجهته إلى دول آسيا.هؤلاء ليس أمامهم إلا الذهاب إلى أوروبا من تركيا إلى اليونان عبر البحر مروراً بدول البلقان حتى يتفرقوا في دول أوروبا، والسبب أن جوازات سفرهم السورية والعراقية ترفضها أغلب دول العالم، وفي مقدمتها الدول العربية، حتى أصبح الواحد منهم يقرأ في جوازه عبارة «يحق لحامل الجواز السفر إلى بلدان العالم كافة» فيترجمها إلى «يحق لحامل الجواز السباحة في بحار العالم إلى أوروبا فقط».مأساة إنسانية فبالإضافة إلى الموت غرقاً أثناء رحلة عبور البحر بدأ المهاجرون يموتون بطرق أخرى كان آخرها قبل أيام عندما عثرت السلطات النمساوية على شاحنة على الطريق الذي يربط هنغاريا بالنمسا، احتوت على أكثر من خمسين جثة مات أصحابها بسبب الاختناق، وقد وجدت بحوزتهم وثائق سورية، حادثة اهتزت لها أوروبا فعرضها رئيس وزراء النمسا على قادة أوروبا، مع أن هؤلاء عرب ويفترض أن أول جهة تتكلم عن مأساتهم وتبحث عن حل لمشكلتهم هي الجامعة العربية لكن «عمك أصمخ».نعلم أن الدول العربية لن تفتح أبوابها لهؤلاء المنكوبين ولن تتمكن من إقامة مناطق حظر للطيران في دولهم لتحميهم من القتل، لكن بإمكانها أن تعمل لهم «تحويلة مؤقتة» وتجمعهم على أرض حدودية بين دولتين أو ثلاث من الدول العربية وتعمل مع الأمم المتحدة على توفير احتياجاتهم والاستفادة منهم في الوقت نفسه، حتى ينتهي الغرب والشرق من تصفية حساباتهم في مناطقهم، وينتهي من أعمال «الحفريات» فيعودوا إلى بلدانهم.- رسالة مؤلمة من مهاجر..أحد المهاجرين السوريين عندما وصل إلى الشاطئ في أوروبا سباحة بدون قارب صوره أحدهم بكاميرا فيديو، وقبل أن يخرج من الماء وخلفه عدد من الجثث الطافية، توجه إلى الكاميرا قائلاً: «سوف يأتي يوم نقول لأطفالنا قد كانت بلاد العرب أقرب لكنهم أغلقوها في وجوهنا»، فتخيلوا مشاعرهم تجاهنا.
Opinion
أنقذوا بتحويلة مؤقتة!
02 سبتمبر 2015