يعتبر الحديث عن الأسواق القديمة في البحرين من الأحاديث الرتيبة والعقيمة في الصحافة البحرينية، حيث إن هذه الأسواق أصبحت مثل «الجدة» التي لا يعلم كيف يسأل أو يهتم بها أحفادها سوى التقاط الصور الفوتوغرافية معها للذكريات، أما الجهات الرسمية المعنية بتطوير تلكم الأسواق الميتة فلا خبر جاء ولا وحي نزل.عشرات المقالات كتبت من طرفنا حول أهمية إصلاح وتطوير الأسواق القديمة في البحرين. اليوم وبعد أن بدأت تحتضر هذه الأسواق صرنا نطالب بإنعاشها قبل أن تغلق أبوابها، ولا نعلم هل سيستجيب المسؤول لمعالجة هذا الموضوع القديم الجديد، أم سيصد عن كل تفاصيله المؤلمة، كما هي كل مرة؟أكثر ما يبث الرعب في نفوسنا حول موضوع الأسواق القديمة في البحرين، هو انحسار بل وانقراض التاجر البحريني منها، فبالكاد تشاهد متجراً من متاجر أسواقنا الأصيلة يعمل فيه مواطن بحريني، فالآسيويون هم سادة السوق وكبراؤها، حتى بات التاجر البحريني لا يرى بالعين المجردة في أسواقنا، ولأن من يحكم تلكم الأسواق مجموعة من اللوبيات الآسيوية أو من تجار غسيل الأموال، كما يتفق على ذلك كل من يشتغل في سوق المنامة من البحرينيين، سيكون صمود التاجر البحريني في سوق المنامة تحديداً أو حتى في سوق المحرق، ضعيفاً في مقابل تماسك تجار المافيا من الآسيويين وغيرهم بمتاجرهم.أسواق بحرينية لكن من دون بحرينيين أو حتى عرب، نمشي في أزقتها الضيقة كالغرباء، وإضافة لذلك فلا خدمات فيها ولا اهتمام من طرف الجهات المعنية بتطوير السوق. إذا كانت هنالك بعض التحركات لتطوير سوق المنامة، فهي تحركات أهلية أو فردية، وعلى رأس تلك الجهات «اللجنة الأهلية لتطوير سوق المنامة»، التي ما برحت تغادر متاجر ومقاهي وجدران وشوارع سوق المنامة إلا وحاولت تزيينها وتطويرها حسب إمكاناتها المتواضعة لتعيش في ذاكرة الوطن، في مقابل غياب كامل للجهات المعنية بتطوير الأسواق.مسؤول لا يعلم ما يحصل في سوق المنامة وغيرها من الأسواق الشعبية، ولا يدرك خطورة تسليم السوق التي بناها الأجداد والآباء بعرق جبينهم للآسيوي وبالمجان، فتجار الأسواق القديمة يلقون بكامل اللوم في هذا الملف على وزارة التجارة تارة وتارة أخرى على الغرفة.همس أحد البحرينيين في أذني حين تكلمت معه حول هموم الأسواق الشعبية في البحرين قائلاً: لماذا تحاول إحياء سوق يملك غالبية متاجرها أجانب؟ فأنت بذلك تدعم الآسيوي وليس البحريني. قلت له: إنني سأدعم السوق التي نشأنا فيها، وسأتبنى ملفها من أجل بعض التجار البحرينيين القلائل الذين صمدوا فيها على الرغم من كل المصاعب والمآسي والتحديات التي واجهتهم وتواجههم كل ساعة، حتى لو تخلت عنهم كل الجهات المعنية التي تأتي للأسواق بين الفينة والفينة من أجل التصوير «والفشخرة».قبل الأزمات المالية العالمية وبأعوام طويلة، كانت أسواقنا الشعبية تحتضر، فكيف اليوم والأزمات الاقتصادية تضرب الكبار والصغار من التجار؟ وجب علينا اليوم أن نعلق الجرس في رقبتي وزير الصناعة التجارة ورئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين، كما لا يجب أن ننسى الملام الأول في هذه المصيبة، ألا وهو التاجر البحريني الذي آثر الراحة على الاستمرار في السوق، حتى قام ببيع وتأجير سجلاته التجارية على الآسيوي «بكل بساطة»، فكانت هذه النتيجة المخيبة للآمال التي مازال يدفع ضريبتها من بقي منهم في أسواق وطنية يتزعمها أجنبي!
Opinion
أسواقنا القديمة والنداء ما قبل الأخير
04 سبتمبر 2015