التعايش في أبسط معانيه هو العيش المتبادل مع الآخرين بغض النظر عن دياناتهم ومذاهبهم وأصولهم وجنسياتهم وبغض النظر عن كل الاختلافات بينك وبينهم، وهو يقوم على المسالمة والمهادنة. والتعايش بين الأديان كما جاء في التعريفات هو «إلغاء الفوارق الاجتماعية بين المنتمين إليها وصيانة وكرامة وحقوق كل الأطراف»، وما ينبغي التأكيد عليه هو أنه توجد دائماً بين الأديان نقاط مشتركة تعين على التعايش لعل أبرزها التسامح والمحبة وضمان حقوق الإنسان، ذلك أن كل الأديان تتوفر على هذه المبادئ وتنطلق منها وتؤكد عليها، وطالما أن الدين الذي أنتمي إليه يحثني على التسامح؛ لذلك فإن من الطبيعي أن أكون متسامحاً مع الآخرين المنتمين إلى الأديان الأخرى، وطالما أن هذا الدين يحثني على المحبة واحترام حقوق الآخرين لذلك فإن الطبيعي أن أشعر بالسعادة لو تفاعلت مع المنتمين للأديان الأخرى وأحببتهم واحترمت حقوقهم، فبهذا كله يتحقق التعايش. في البحرين لم يلمس المدونون في سجل الأجيال السابقة لهذا الجيل فارقاً بين المنتمين إلى مختلف الأديان، فجميعهم عاشوا معاً في مكان واحد وتفاعلوا وتعاونوا وحققوا أساسات الأديان التي ينتمون إليها وأوجدوا الحياة بكل ما تحمله من معانٍ واستمتعوا بها، ولولا التعايش لما تحقق السلام فيما بينهم ولما تحقق الاستقرار، ولانتهت حياتهم من دون أن يستفيدوا منها أو يستمتعوا بها، ولقصروا في حق الواحد الأحد الذي هو خالق الجميع. كمثال على هذا التعايش يمكن الحديث عن فريق المخارقة، هذا الحي الذي احتوى على كل المتناقضات وكل الاختلافات فصار مثالاً للتعايش بين المنتمين إلى مختلف الأديان والمذاهب، ففي هذا الحي القريب من سوق المنامة يوجد مساجد للشيعة ومساجد للسنة ويوجد كنائس وهو غير بعيد عن معبد لليهود لايزال موجوداً في السوق. وفي هذا الحي أيضاً عاش الناس من مختلف الجنسيات والأصول وأحبوا بعضهم البعض وتفاعلوا وأنتجوا الحياة. لم يتحسس المسلمون في هذا الحي من الكنيسة التي يؤمها المسيحيون خصوصاً في يوم الأحد، ولم يتحسس المسيحيون من المسلمين أو اليهود أو غيرهم من المنتمين إلى الديانات غير السماوية، لذلك لم يحدث قط أي اعتداء على الكنائس أو المساجد أو المآتم أو المعبد اليهودي، ولم يحدث قط أي عراك بين المنتمين إلى هذه الأديان.هذه واقع وحقيقة يعرفها كل أهل هذا الحي الذين ظل المسلمون والمسيحيون واليهود وأصحاب الديانات الأخرى فيه يحترمون طقوس بعضهم البعض ولم يحاول أحد أبداً تجاوز ما هو متعارف عليه أو تسبب في أذى الآخر المختلف عنه. هو مثال صارخ للتعايش يؤكده ما ظل يشهده سوق المنامة الذي احتوى طويلاً على منتمين إلى مختلف الأديان ومختلف الجنسيات والأصول ومختلف الألوان والثقافات. في بداية الثمانينات عملت مع آخرين على مشروع خيري وذهبت لأجمع إعلانات لنشرها في كتيب أردنا أن نصدره بالمناسبة وليوفر مدخولاً يعين على تحقيق ذلك العمل، كل التجار الذين قصدتهم وكانوا ينتمون إلى مختلف الأديان لم يترددوا عن المشاركة ولم يسألوا إن كان المنتمون إلى دياناتهم سيستفيدون من المشروع أم لا، بل إن أحدهم وهو يهودي طلب مني بعد أن أعطاني قيمة الإعلان في الكتيب أن أراجعه بعد عدة أيام لأنه سيحاول أن يحصل على إذن من الشركة اليابانية التي هو وكيل منتجها كي يساهم بقيمة إعلان آخر. في فريق المخارقة أيضاً تعايش الناس إلى الحد الذي لم يكن يسأل فيه أحد عن ديانة ومذهب الآخر، فتعالج الجميع عند الدكتور ماتيوز الهندي وزوجته وتفاعل الجميع مع برنامج «ركن الصحة» الذي كان يقدمه المسيحي الدكتور رمزي فايز.
Opinion
فريق المخارقة مثالاً للتعايش
04 سبتمبر 2015