كل من شارك في حرب الدفاع عن الشرعية في اليمن من أبناء دول مجلس التعاون غادر بلاده وقد حمل روحه على كفيه ليقدمها رخيصة للمبادئ وللعروبة ولكي ينتصر الحق وأهله على أهل الانقلاب على الشرعية في هذا البلد العربي الأصيل، الذي هو جزء منا، وأطلق أهله نداء الاستغاثة. كل من شارك في هذه الحرب ودع أهله وسار إليها وهو يحلم بالشهادة ويتمناها، ومن الطبيعي أن نحزن جميعاً على فقدنا لهؤلاء الشهداء رغم أننا نؤمن إيماناً راسخاً بأنهم لم يموتوا، فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون ويتمنون لكل محبيهم أن يلحقوا بهم ليشاركوهم ما صاروا فيه من نعمة، ولولا تركيز وسائل الإعلام على خبر الاستشهاد واعتباره العدد كبيراً وغير متوقع، خصوصاً بعد تدمير أغلب الأهداف العسكرية من قبل دول التحالف بقيادة الشقيقة الكبرى، لمر الحدث بشكل طبيعي ولما التفت إليه أهل الخليج العربي إلا الالتفاتة العادية التي يتطلبها الموقف. الإعلام هو الذي بالغ في نقل الخبر ووصفه ونشر ما شاء له نشره من سيناريوهات وتوقعات كثير منها بعيد عن الواقع والحقيقة، وصور الأمر وكأنه فاجعة وضربة قاصمة، رغم أن هذا ممكن الحدوث في أي وقت، فالحرب يمكن أن تنتج مثل هذا المشهد في كل يوم بل في كل ساعة.الإعلام الذي بالغ في النشر والتحليل هو الذي صور الأمر وكأنه كارثة، حتى أوصل رسالة سالبة غير مقصودة ملخصها أن هذا هو مصير أبنائكم يا أهل دول التعاون، وأنكم إذا أردتم أن تسلموا عليهم فليس عليكم إلا سحبهم من المعركة، حتى بدا هذا الإعلام وكأنه جزء من الإعلام الفارسي المساند للحوثيين والداعم لهم، والذي يرمي إلى التأثير على الهمم وتصوير الأمر على أن المعركة محسومة لهذا النفر الذي اعتقد أن انقلابه على الشرعية واحتلاله صنعاء وسعيه إلى احتلال عدن وباقي المدن الرئيسة في اليمن ليس إلا نزهة، خصوصاً مع حزمة الوعود التي وفرتها لهم إيران بعدما زينت لهم الأمر ووسوست في نفوسهم.من الطبيعي أن نتألم ونحزن؛ ولكن ينبغي من إعلامنا ألا يبالغ في الاهتمام بهكذا أخبار لأنها أولا ممكنة الحدوث في أي وقت، ولأنها تؤثر على معنويات الناس حتى مع إحساس ذوي الشهداء بأن ما حصل مبعث فخر لهم واعتزاز، فليس أجمل من دفع أبنائهم للمشاركة في معارك الكرامة سوى تلقيهم خبر استشهادهم.ما ينبغي أن ننتبه له هو أن الإعلام الفارسي المساند والداعم للإعلام الحوثي يهدف إلى كسر المعنويات بإثارة تفاصيل لا وجود لها والتركيز على أعداد الشهداء، والدليل هو أنه لم يتوقف حتى هذه اللحظة عن تكرار الخبر واستضافة المعلقين الذين يطربه ما يقولونه ويسعدهم استضافته لهم وقول ما يريد منهم قوله، وتصويرهم ما حدث وكأنه انتصار الجولة الأخيرة من المعركة. هذا الإعلام المسيء يسعده أن يشاركه إعلامنا من دون أن ينتبه إلى أن ما يقوم به يصب في نهاية الأمر في صالح المنقلبين على الشرعية في اليمن وفي صالح مسانديهم وداعميهم، فالمبالغة في تصوير ما حدث هدف مهم لذلك الإعلام، والاستمرار في اجترار الخبر نفسه وتوظيفه في مختلف البرامج الإخبارية وغير الإخبارية يدخل في باب الحرب النفسية.هنا مثال؛ رغم سرعة إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين عن استشهاد مجموعة من أبنائهما، لايزال ذلك الإعلام البغيض يكرر مقولة إن المملكة العربية السعودية أخفت عن العالم خسائرها وما حدث مع جنودها في العملية نفسها وأنها تكبدت الكثير من الخسائر في تلك العملية وغيرها. والأكيد أنه سيستمر في هذا النهج الذي علينا الانتباه له جيداً وعدم الوقوع في براثنه.