الإنسان السوي الواثق نفسه المؤمن باعتقاده لا يحتاج أن يتخفى وراء ستار، لا يحتاج أن يضع «صورة رمزية» ليكتب رأيه وما يجول في خاطره، لا يحتاج أن «يداري» هويته الحقيقية ليكتب ما يريد، إلا إذا كان يريد «شتم» الآخرين أو «التطاول» على الدولة والنظام والقانون. الفئران تختبئ في الجحور، وجحور هذه الأيام أصبحت إلكترونية في الفضاء الذي يمكن «مرضى النفوس» من إخفاء هويتهم وانتحال أخرى لينالوا من الآخرين ببذيء الكلام و«قذارة» اللفظ، وهو ما نراه يحصل في مواقع التواصل الاجتماعي بالأخص في «تويتر».تفحص سريع لموقع التواصل الاجتماعي الشهير سترى كماً مهولاً من الحسابات «الوهمية» التي يضع أصحابها صوراً رمزية ليست صورهم الحقيقية، وللأسف الكثير من هذه الحسابات يمارس «أحط» أنواع التعبير عن الرأي، هذا إن أسمينا الشتم والسباب والقذف وإطلاق النعوت المهينة تعبير عن الرأي. في علم سيكولوجيا الإنسان، اللجوء لإخفاء الهوية خاصة حين يكون الهدف التعبير عن الرأي وما يجول في النفس، ويكون ذلك في مجتمع منفتح ديمقراطي يكفل حرية التعبير ويسنها في تشريعاته، فإننا نكون أمام حالة مرضية يعاني منها الشخص المعني، هذا الشخص الذي لا يجرؤ على الحديث بوجهه الحقيقي ولا باسمه، لأن نيته أصلاً ليست حرية التعبير أو النقاش العقلاني القائم على احترام الآخر وإن اختلف معك، بل لأن نيته النيل من الآخرين والانحدار في الألفاظ والتوصيفات وممارسة التحريض والتطاول والتعدي على الدولة والقانون. إن كان ما يريد قوله هؤلاء هي حقائق وقناعات وآراء حرة تدخل في إطار «حرية الرأي» لم يخافون الحديث بأسمائهم ووجوههم، إذ غيرهم يفعل وهناك أمثلة عدة؟! لماذا يلجؤون للبس «براقع» إلكترونية ويشنون الهجوم على الشخصيات والأنظمة، ويطلقون أشنع السباب ويتعدون على خصوصيات الآخرين؟!يفعلون ذلك لأن هذه هي تركيبتهم، وهذه هي نفسيتهم، ويعلمون جيداً بأن ما يقومون به لا يقوم به إلا أفراد تربوا في الشوارع وتشربوا أخلاقيات الفوضويين أو «اللوفر»، وحتى تقوم بأفعال «غير الأسوياء» في دولة القانون لابد وأن تختبئ مثل «الفأر» وتحمي نفسك بهوية واسم مستعارين. هنا نقول بأن خيراً ما فعلت الجرائم الإلكترونية في وزارة الداخلية من ترصد وتعقب لبعض هذه الحسابات الوهمية في صورها الرمزية وأسمائها وبالتالي القبض على «المتبرقعين» خلفها، والذين اتضح بأنهم «يفترض» رجال، في حين الرجل الحقيقي والإنسان السوي لا يقوم بأعمال «قطاع الطرق» ولا «المتنمرين» ولا «الشوارعيين».هذه خطوة جيدة لإيصال رسالة صريحة من الأجهزة المعنية بأن التطاول على الآخرين، الإساءة للنظام والقانون، قبيح الألفاظ والسباب والشتم كلها أمور لابد وأن يعاقب عليها القانون، ومن يقول بأن هذه الإجراءات فيها تعد على الحريات نقول له: الحرية مكفولة لكنها لا تعني الشتم والتطاول والدخول في الأعراض وضرب الدولة وقانونها والإساءة لشرائح وطنية فيها، هذه ممارسات تقع في بند الجنايات والقذف والتطاول، وأمر آخر، من يحاول الدفاع عن هؤلاء «الشتامين» و«لابسي البراقع» ليجب بصراحة إن كان يقبل بأن يتم استهدافه وشتمه والإساءة لعائلته وسمعته من قبل حسابات مشابهة؟! والله لا إنسان يقبلها. من تطاولوا على شهداء الواجب، ومن أساؤوا للبحرين والإمارات فيما يتعلق بعاصفة الحزم والدفاع المقدس عن أمن المنطقة، يعرفون تماماً ما يفعلون، ليسوا أطفالاً ليقولوا بأنهم «ظنوا» أن وسائل التواصل الاجتماعي «لعبة» يمكن من خلالها التسلي بشتم وسب الآخرين والتوسع ليشمل الإساءة للدولة وقانونها ودول الخليج العربي. وحبذا لو قامت الجرائم الإلكترونية بتخصيص حساب خاص بها على «التويتر» يستقبل البلاغات ضد هذه الحسابات لردعهم وإيقافهم ومحاسبتهم بالقانون، وأجزم بأن «الأسوياء» من المخلصين من هذا الشعب الرافضين لهذه الممارسات العبثية والطفولية والمريضة، سيتفاعلون بقوة، إذ الساحة باتت تعج بهؤلاء المرضى وأصحاب الأحقاد الدفينة والذين لا يعرفون التعبير عن رأيهم إلا بشتم الآخرين وبإطلاق قاموسهم اللغوي «الساقط» و«البذيء» الذي لا يمكن أن يعبر إلا عن أخلاقيات صاحبه. الرجال لا يختفون خلف «براقع»، والشجعان لا يتوارون وراء الستائر، أما الجبناء ومرضى النفوس وأصحاب الأحقاد الدفينة فيفعلون.