أحد الشباب اللاجئين إلى أوروبا ضمن موجة النزوح الحالية صور نفسه قبل أيام بعدما وصل إلى ألمانيا، وهو يرقد في فراشه لينام قائلاً بابتسامة: «تصبحون على خير، هذه أول ليلة لي سأنام فيها دون التفكير بالغد»، شابان آخران ظهرا أمام الكاميرا يحمل كل منهما ورقة نقود فئة 100 يورو، ويقولان جلسنا في بلدنا سنين طويلة لم يمنحنا أحد نصف هذا المبلغ، لكننا وبمجرد وصولنا إلى أوروبا منحنا هذا المبلغ، مشهد آخر تكرر كثيراً، مجموعة شباب يفترشون الحدائق المحيطة ببرج إيفل أو يجوبون شوارع ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية يحملون معهم آلات موسيقية شرقية كالطبلة والخشبة والرق، ويحيون حفلات مجانية على وزن «أم علاية» يتجمع حولهم الأوروبيون ليرقصوا جميعاً على أنغام القادم الجديد، وكذلك توفر لغيرهم مكبرات صوت نقل عبرها أغاني عربية شعبية، هذا بالإضافة إلى مشاهد يسعى لها كثير من الشباب صغار السن، فقد أظهرت الصور عدداً غير قليل من الشباب المهاجر وهم يحتضنون الشقراوات الأوربيات، وبعضهم يتبجح بكؤوس الخمر أمامه.كل هذه المشاهد تقدم رسالة لمن بقي في العراق وسوريا ولم يهاجر، بأن من وصل إلى أوروبا ينعم بحياة رفاهية ولهو أزالت عنه هموم سنين عاشها تحت القهر في بلاده، فأظهرت المقاطع والصور الواردة من هناك الجانب المبهج للهجرة، لكن ثمة جانب آخر قاتم لا يسلط الضوء عليه، وهو أن الصورة الكاملة ليست دقائق لهو، فقد ظهرت بعض المقاطع القليلة التي لم يلق لها أحد بالاً، تتحدث عن أوضاع معيشية صعبة يمر بها المهاجرون الذين وصلوا لا سيما العوائل منهم، تتعلق هذه الأوضاع بأماكن السكن، وتحدث بعض من هاجر قديماً عن مشاكل اجتماعية تعرضوا لها، ليس هذا مهماً ولا نلوم من ركب البحر وهاجر إلى أوروبا لأن لا خيارات أمامه؛ فإما البقاء والموت البطيء أو السريع أو المخاطرة بالهجرة، ومهما كانت النتيجة فهي أفضل من البقاء في بلده، لكن ما يهمنا لماذا ركزت وسائل الإعلام على إظهار الجانب المبهج فقط دون أن تعطي الصورة كاملة كما هي؟يكفي أن تعرفوا المعلومات الآتية لتعلموا أن الإجابة على السؤال تتلخص في أن موضوع الهجرة مخطط كبير يتعلق بإفراغ هذه الدول من أهلها، لا سيما فئة الشباب منهم، لقد وصل عدد الرحلات الجوية المغادرة من مختلف مطارات العراق حالياً إلى 15 رحلة يومياً، ووصل سعر التذكرة في إحدى الشركات إلى 100 دولار فقط، تنقل هذه الرحلات 3000 عراقي كل يوم إلى تركيا جواً، نسبة الشباب فيهم 70% أغلبهم يذهب إلى تركيا بنية الهجرة وعدم العودة، هذا بالإضافة إلى أعداد أخرى تذهب إلى تركيا براً عبر كردستان.هذه الهجرة تعد الأكبر عالمياً منذ الحرب العالمية الثانية، وكل ما يحيطها يدل على أنها تجري بتخطيط وتدبير، لذلك سنستمر بمشاهدة الجانب المبهج منها فقط.