«لو استطاع طرفٌ ما في بلد آخر إغلاق شارعٍ واحد فقط، لسارعت وسائل الإعلام لنشر الخبر ومناقشة دوافع النشطاء ومطالبهم». هكذا كتب أحدهم تعليقاً على قائمة بها عناوين لبعض العمليات التي تم تنفيذها في مجموعة من الشوارع. والإغلاق هنا يعني اختطاف الشارع وإشعال النار في إطارات السيارات وتعطيل حياة الناس وتعريضهم للخطر بغية القول إن «أبطال الميادين» سيطروا، وأنهم بذلك يؤكدون قوتهم وإصرارهم على مواصلة «النضال».طبعاً من كتب تلك العبارة أراد القول إنه ينبغي من الحكومة أن تنظر في دوافع من يقوم بتلك العمليات وتحقق مطالبهم، لكنه لم ينظر أبداً إلى ما ينبغي من أولئك أن يقوموا به تجاه الناس الذين يتسببون في أذاهم بتلك العمليات، ولم ينتبه إلى أن مثل هذا لو حدث في بلاد أخرى لما رأى الفاعلون النور ثانية.في كل بلاد العالم توجد مشكلات وتوجد مطالبات وتوجد معارضة تقوم بتحركات بغية تحقيق المكاسب ولكن في كل هذه البلاد لا يوجد من يعيش التناقض بين القول إن «القوى الوطنية تؤكد على تمسكها بالعمل السلمي المتحضر في المطالبة» والعمل المتمثل في التخريب وأذى الناس وإرهابهم باختطاف الشوارع وإضرام النار في إطارات السيارات وتعطيل الحياة، فهذا الأمر لا يتوفر إلا هنا، ولا يتوفر له مؤيدون إلا هنا، ولا يعتبر من يقوم به أنفسهم أبطالاً إلا هنا.هذا العمل لا يدخل أبداً في باب «العمل السلمي المتحضر» لأنه باختصار غير سلمي وغير متحضر ولا يعبر إلا عن قلة حيلة، إذ كيف يكون التسبب في أذى الناس الذين يمكن أن يكون بينهم من هو متعاطف مع المخربين أو مؤيد لهم عملاً سلمياً ومتحضراً؟ وكيف يمكن اعتبار من يقوم بهذا العمل مناضلاً؟ولأن «القوى الوطنية» و«القوى الثورية» وأي قوى تحمل أي مسمى تعرف أن هذا العمل لا يدخل في باب السلمية ولا علاقة له بالتحضر لذا فإنهم لا يذكرونه لا من قريب ولا من بعيد في كلماتهم التي يلقونها هذه الأيام في جنيف وينتقدون بها الحكومة، ولو سئلوا عن هذا الأمر لتهربوا من الإجابة أو لبرروه وأوجدوا لأنفسهم ألف عذر وعذر.إشعال النار في إطارات السيارات يكون سلمياً لو أنه لا يتكرر ولا يكون بهذا الشكل، ويكون سلمياً لو أريد منه لفت انتباه الحكومة إلى وجود جهة أو مجموعة لديها مشكلة تريد توصيلها إليها، فهو عمل سلمي لو كان غير متكرر ولا يتضرر منه أحد ويراد منه توصيل رسالة، لكنه عندما يكون بالشكل الذي يحدث في شوارعنا فإنه لا يمكن أن يكون أسلوباً سلمياً للتعبير ولا علاقة له بالتحضر، بل هو التخلف «بعينه واعلمه».ما تقوم به «المعارضة» هذه الأيام في جنيف وغير جنيف لا جديد فيه، والبيانات سواء صدرت عنها أو عن مجموعة من الدول المتعاطفة معها والمعتمدة في مواقفها على ما يصلها من طرف دون الآخر لا يمكن أن تغير في الواقع شيئاً، ما يغير هو أن يعود البعض الذي يقود هذه العمليات وهذه التحركات إلى رشده ويبني الجسور التي تكرر الحديث عنها هذه الأيام ويقنع الحكومة بأهمية العودة إلى الحوار الذي لا مخرج لمشكلتنا سواه.ستعقد جلسات أخرى في جنيف بعد عام من الآن، وبين التاريخين ستعقد جلسات في لندن وواشنطن وبيروت وطهران وغيرها، لكنها لن توصل إلى مفيد أبداً، تماماً مثلما أنه لا يوصل إلى مفيد تلك العمليات التي يتم تنفيذها في الشوارع وتتسبب في أذى الناس. المفيد يتوفر فقط في الرجوع إلى العقل وفي النظر إلى الأمور بواقعية.