الحياة كلها قائمة على المعادلات، وأغلب هذه المعادلات ثابتة - يفترض - في نتائجها، هي معادلات مباشرة قائمة على نفس المبدأ البسيط الذي مفاده «واحد زائد واحد يساوي اثنين». لكن مشكلة المجتمعات تكمن في خرق هذه المعادلات، في تدمير الثابت والإتيان بـ «اللا مألوف»، بحيث من الاستحالة أن نجد النتيجة «اثنان» لمعادلة بسيطة مثل «واحد زائد واحد». في مجتمعنا ومن خلال مؤسساته وأساليب إدارة بعض مسؤوليه، ووسط «متاهة» الشعارات المطلقة وواقع تطبيقها، لا قواعد ولا معادلات ولا أي شيء منطقي ثابت. وصيغة التعميم هنا لا تعني الشمولية بقدر ما نهدف لبيان أن النسبة الطاغية من الممارسات تقع في خانة تحطيم وتجاوز المعادلات، وتحيلنا لحالة تثبت لنا أن المعادلة المتأصلة والراسخة تتمثل في المعادلة القائلة «معاكم.. صعب التوقع»!!على سبيل المثال، مسؤولون يولون مناصب، بعضهم يقسم على القيام بالواجبات والالتزام بشرف المهنة، وأن تكون العدالة والإنصاف والأخلاقيات الإدارية منهاج عمله، وهي أمور تتفق مع ما ترفعه الدولة من شعارات وتدعو لممارستها بالتطبيق في أي حراك، لكن الواقع يفرض خلاف ذلك. تجد هؤلاء الرافعين لشعارات العدالة الإدارية وحمل المسؤولية بأمانة يفاجئون كثيرين من موظفيهم الذين يستمعون لهم بشكل يومي وإلى «تنظيراتهم» بشأن «الحرفية» في الأداء والعدالة الإدارية، يفاجئون موظفيهم بممارسات أبعد ما تكون عما يقولون. مسؤول يدعي حرصه على «العدالة الإدارية» و«إعطاء كل ذي حقه» لكن الترقيات والمناصب والحوافز والسفرات والامتيازات التي لا تتوقف كلها تطال حاشيته والمقربين منه، ومن يحمل بشته، ومن يكيل له المديح، ومن لا يناقشه حتى لو كان الخطأ بيناً. مسؤول يتحدث عن أن «الكفاءة» تفرض نفسها، لكنه يحول قطاعه إلى «ثكنة اجتماعية» تضم أفراداً من عائلته أو «جماعات» من أصدقائه.حتى على مستويات أخرى تصدق المعادلة «معاكم.. التوقع صعب»، فمثلاً في السلطة التشريعية - وكثيراً ما حصلت ولدغ الناس منها مرات - نواب يقدمون للناس أجمل الشعارات، ويعدونهم بأروع الوعود، لكن حين تدق ساعة الحقيقة، وذلك بالجلوس على الكرسي وضمان الامتيازات المختلفة، تتبخر كل الوعود، تضيع كل الشعارات، وإن تحدث الناس وانتقدوا وصفوا بأنهم جاحدين وناكرين للجميل «رغم أنه واجب وليس تكرماً»، بل نقدهم يفسر على أنه تطاول وقلة أدب. حتى في الإعلام والصحافة، إذ لا نزكي قطاعنا نفسه إن أردنا أن نكون منصفين، تتحدث وسائل إعلامية مختلفة وبعض مشتغليها وصحفييها وكتابها بأن همهم الناس وحرية الكلمة، أو العمل على برامج وأنشطة وخطط هدفها الناس، لكن الكارثة هي حينما يكون الناس آخر الهم في المعادلة وفي العمل كله، حتى نقدهم لا يسمع، وحتى صوتهم لا يصل. كل هذه المعادلات الثابتة تتحطم وتتحول إلى مجرد شعارات لا بسبب «منظومة» أو «سيستم»، بل بسبب أشخاص، بسبب بشر يخالفون بعملهم ما يقولونه بكلامهم، يخالفون بأدائهم وقراراتهم ما يدعون أنهم يؤمنون به كشعارات جميلة رنانة تخلب الأذهان وتسترعي اهتمام الآذان. مع مثل هذه النوعية من البشر.. توقعوا كل شيء.. رغم أن الشواهد تقول إن «التوقع صعب» معهم، لأن العمل ليس مبنياً على التزام بمبادئ إدارية ولا أخلاقيات مهنية ولا نوايا صادقة.
Opinion
معاكم.. التوقع صعب!
17 سبتمبر 2015