غنت فيروز «سألتك حبيبي لوين رايحين؟ خلينا خلينا تسبقنا السنين»، ونحن المترقبون للمشهد من بعيد، من بداية إعلان الحرب على الشعب السوري الكريم، نسأل «ما هو مصير الشعب السوري؟!نحزن، نتأسف، ونتألم، ونحن نراه يسابق خطواته للفرار من موت محتم. فإن لم يكن بسبب نيران الحرب الغوغاء التي شنت عليه لكي يلقى حتفه في بلده ويدفن تحت تراب الأرض التي تربى عليها وجنى من خيرها، فربما بسبب الجوع والبرد والثلج القارس الذي لا يميز بين الكبير والصغير. أم أنك تراه يترقب لحظاته الأخيرة وهو يرى بأُم عينيه الماء الذي يتسلل من فتحة صغيرة للمركب المهترئ الذي اعتبره وسيلة النجاة وبوابة لتحقيق الأحلام ولم يعتقد للحظة أنه سوف يكون طعاماً للأسماك في أعماق البحار والمحيطات. وفي حال كان الحظ حليفه فسيجد نفسه ملقاً على شاطئ من الشطآن فتبدأ حقيقة رحلة المغامرات التي لم تكن في الحسبان. ويبدأ التفكير بمزايا اللجوء والنزوح والهجرة. فإن كان للسفر على المستوى الفردي له ميزات خمس، ويمكن يزيد، وإنما من المؤكد أن يكون هجرة شعب بأكمله يحمل من الأبعاد الكثير!! بلا شك أن أي من الدول المستضيفة والتي تصنف من الدول المنتجة والصناعية الكبرى على مستوى العالم، فنظرتها لاستقطاب العدد الكبير من اللاجئين السوريين ليست فقط نظرة إنسانية على الإطلاق كما يدعي البعض أو موهوم. فما يحصل الآن مطابق لما حصل بعد الحرب العالمية الثانية عندما فتحت أوروبا الغربية أبوابها على مصراعيها أمام المهاجرين، بسبب أنها كانت بحاجة إلى طاقات بشرية بناءة لما دمرته الحرب آنذاك. فإنها تلجأ إلى تحقيق مصلحتها بداية - وهذا من حقها - فلا شيء من دون مقابل. ولكن السؤال الأهم، «من سيدفع الثمن»؟ بالتأكيد، سيدفع الثمن الجيل الواعد من الشعب العربي الذي يجد نفسه فريسة ثقافات وحضارات وديانات وعقائد مختلفة ومتعددة. سيظهر لنا شباب حاقد، متزمت من وضعه لأن الأوروبي سيبقى ينظر إليه نظرة «المقتنص» لأنه كان شريكاً غير مرحب به يوماً لأرضه ورزقه من دون حسبان أو سابق إنذار. فإن تعاطفوا معهم في البداية لسبب وضعهم إلا أنهم سيقفون يوماً ويعترضون على الأعداد الكبيرة التي نزحت اليهم وكانت مؤشراً كبيراً في زعزعة الاقتصاد. فلا شيء يقدم على طبق من فضة بالمجان فانه مدفوع ثمنه، لقد أجبرت الظروف الشعوب إلى النزوح من أرض عزٍ عرفت بكرامتها وكرمها وأمنها وأمانها من آلاف الأزمان.