حل المشكلات المالية، هدف نتفق عليه جميعنا في ظل ما عايشناه في الفترة الماضية من تداعيات مسألة الدين العام الذي بلغت تقديراته حاجز المليارات السبعة وتركزت في صعوبة تحقيق كثير من طموحات الشعب وتطلعاته، لتحسين الخدمات وزيادة الرواتب وغيرها من أمور لا يمكن لها أن تتحقق إلا من خلال توافر الموازنات الضخمة. لعلكم تتذكرون السجال بين السلطة الشريعية والتنفيذية عبر الجهات المختصة بشأن صعوبة تحقيق بعض الرغبات والتطلعات المعنية بالناس، وذلك بسبب وجود هذا العجز، وكانت الردود تشير بوضوح لصعوبة تحقق الأمور المطلوبة بسبب الوضع المالي. البحرين ليست الدولة الوحيدة في العالم التي تعاني من مشكلة مالية ترتقي لوصف الأزمة، بل دول عديدة مرت بظروف أصعب واحتاجت للقيام بخطوات صعبة لكنها جريئة في الوقت نفسه لتخطي الأزمة وإعادة ضبط الأمور. في معرض ما انتشر من تحليلات وكلام لبعض الاقتصاديين والمعنيين بوضع الخطط المالية والاقتصادية للبحرين قول وكأنه يطلب من الناس أنفسهم تحمل عبء هذه الأزمة من خلال محاولة المقاربة وتقديم نوع من التضحيات. هذا الطلب من ناحية المبدأ غير مقبول في المجتمع البحريني، ولا يتناسب مع المزاج الشعبي، خاصة وأن الناس تطالب بالتطوير والتحسين الذي يطال معيشتها ومداخيلها والتسهيل عليها في الخدمات، بالتالي حينما تسير عقارب الساعة بعكس المنطق بالضرورة تكون هناك حالة استياء تؤدي لعدم استقرار. بالتالي بقاء أسلوب التعاطي بالصورة نفسها التي شهدناها في الفترة السابقة ليس إيجابياً نظراً لما خلقته من حالة إحباط مجتمعي، وهي حالة لها تداعيات سلبية بالضرورة، ما يعني أن المعالجة السريعة الناجعة مطلوبة. واضح تماماً بأننا دخلنا في الأشهر الماضية حالة صريحة من «إدارة الأزمات» استوجبت الإعلان عن خطوات في اتجاه خفض النفقات وتقليل أوجه الصرف وجدولة المشاريع بحسب الأولوية، وكلها خطوات تصب في اتجاه محاولة التعامل مع الأزمة المالية بطريقة لا تضر بالمواطن وتؤثر عليه بشكل مباشر وتصعب عليه حياته. لربما لاحظ المواطن نوعاً من التأثيرات محدودة التأثير، مثل قضية إعادة توجيه الدعم للحوم، ولكم أن تتخيلوا حجم الحراك الذي حصل ومستوى وحجم ردود الفعل التي سادت أوساط الناس. وللدلالة نقول: كل ما حصل ارتبط بمسألة صغيرة نسبياً معنية بنوع واحد من السلع، فما بالكم لو فرض علينا الوضع الاقتصادي استنساخ الأسلوب نفسه والإجراء بشأن مواد أخرى واستدعى التقشف في جوانب أخرى، فماذا سيكون الحال؟!ندعو الله أن يحفظ البحرين وأهلها، لكننا في عملية التخطيط الاستراتيجي لأي موضوع، لابد من عملية «رسم للسيناريوهات» وبالأخـــص «السينـــاريوهات الصعبة» أو ما تسمى بـ «أسوأ الظروف»، وهنا لابد وأن تطرح فرضيات عدة مثل احتمالية هبوط سعر النفط لمستوى متدنٍ جداً، أو ماذا إذا عجز الميزان المالي للدولة عن استيفائه لالتزاماته تجاه المواطنين من توفير سلع وخدمات ورواتب وتقاعد وغيرها؟!سيناريوهات مخيفة، أليس كذلك؟! ونحن ندعو الله ألا يكتب علينا أن نعايش هامشاً بسيطاً منها، وبالتالي نؤكد بأن أي خطوة جريئة شجاعة مسؤولة في اتجاه حل المشكلة المالية في البحرين و«ضبط» الأداء المالي بما يحفظ الدولة وأهلها خطوة مباركة ومطلوبة. وعليه فإن التوجيه الملكي بتشكيل حكومة مصغرة لحل المشكلات المالية خطوة شجاعة وجريئة من جلالته الذي عودنا على خطواته الجريئة الواثقة مثل إطلاق المشروع الإصلاحي وفتح باب الحريات واستقدام لجنة بسيوني وغيرها، بل الشكر الجزيل لجلالته لتوجيهه رسالة صريحة مباشرة في أسلوب التعامل مع المشكلات، تتمثل بالإعلان عن المشكلة وفهمها وإعلان إجراءات سريعة جادة لحلها، وهذا هو أساس حل المشكلات بوضع اليد عليها ومعالجتها لا تجاهلها أو تناسيها. بالتالي نشكر جلالته على هذه الإجراءات ونأمل خيراً بأن تحمل الأيام المقبلة نتائج عمل جادٍ لحل هذه المشكلات، فترك الأمور على ما هي عليه لن تقودنا لحل بقدر ما ستصعب عملية المعالجة مستقبلاً.
Opinion
البحرين ومشكلاتها المالية
19 سبتمبر 2015