أصبح الشرق الأوسط الصغير جداً بعد تقسيمه إلى «كانتونات» متناحرة، عبارة عن شرق أوسطٍ كبير في أزماته وهمومه وخطورة حاضره فضلاً عن مستقبله، فلا حلم «كونداليزا رايس» تحقق، ولم تستقر أحلام الدول العربية والإسلامية نحو بناء شرق أوسط مختلف ومستقر.حروب وثورات زائفة، وحراكات شعبية مزورة، وانهيارات مالية وخسوفات اقتصادية مرعبة، إضافة إلى مسلسل الموت والتهجير وصور الذبح والسحل وتقطيع الإنسان وهدم الآثار. كل ذلك وأكثر تكرر بعد «الربيع العربي» الدموي، ذلك «الربيع» الحارق الذي تمت صناعته في دوائر المخابرات العالمية بمباركة غربية خالصة من أجل تفتيت دولنا العربية، ورمي مصيرنا وكرامتنا ومستقبلنا في الشارع العام!لن يهدأ الغرب ولا يكل المستعمرون في العالم حتى يروا الوطن العربي وهو يتحول لمنطقة استنزاف في كل شيء، في الإنسان والطاقات والثروات وتعطيل كل عجلات التنمية وضربها من تحت الحزام، لأنهم آمنوا أن تحريك عجلة اقتصاداتهم المنهارة لم تنجح إلا عبر سرقة نفطنا وخيراتنا، وهذا لن يتحقق من وجهة نظرهم إلا بإشعال الفتن والحرائق الطائفية والمذهبية في كل شبر من بلاد العرب، وذلك عبر وكلائهم في المنطقة من الحركات الإجرامية كتنظيم الدولة «داعش» وغيره إضافة لبعض الدول.بعد كل هذه المشاهد المرعبة في وطننا العربي المغلوب على أمره، وبعد مشاهدتنا لاقتصادياتنا وهي تنهار أمام أعيننا، وبعد سيول الدماء، يكون لزاماً علينا حماية ما تبقى من خبزنا وترابنا في المشرق العربي. فالأوضاع لا تسر ولا تسير في سكتها الصحيحة، ومن لم يتدارك هذا المشهد المأساوي من العرب فإن شرر الربيع العربي المستطير سيصيبنا كلنا، وهذا ما بانت علاماته الواضحة في كل مشهد من مشاهدنا اليومية وعبر الشاشات الإخبارية التي تنعانا في كل لحظة وفي كل مكان.حتى نعود لبعض كرامتنا المسلوبة، أو نحفظ الكثير من نتاجنا الإنساني والأدبي في شرقنا التائه، يجب أن نرفض كل أشكال التبعية السياسية للغرب، ولكل من لا يتحدث العربية، فلا وقت للمجاملة ولا مجال لبيع أوطاننا بأثمان زهيدة لسماسرة الأوطان، وهذا الكلام موجه لحكوماتنا العربية وشعوبنا، فالعرب صحوا من غفلتهم بعد الاستعمار الأول، والانتداب الأول، فجاءت أبيات الشابي معبرة عن كرامتنا وحريتنا، فنهض العرب من غفلتهم حين قرروا رسم المستقبل بعد طردهم للمستعمرين، لكن سرعان ما رقدوا مرة أخرى، وها هم اليوم يصحون على وقع الدمار الشامل، ويستفيقون على انهيارات إنسانية واقتصادية عنيفة، ربما كانت تعادل أضعاف ما خلفته القنبلة النووية، كل ذلك وأكثر بسبب «ربيع» لم يستحق إطلاق اسم «الربيع» عليه، فهل سنصحو في زمن الرعب لنحفظ بقايانا؟ أم سنواصل مسلسل الرقاد العربي؟