مع أن الزمن الذي يفصلنا عن حرب البسوس طويل جداً، لكن ثمة تشابه كبير بين ما حصل للعرب فيها وما يحصل لهم اليوم.اندلعت حرب البسوس بسبب ناقة قتلها الملك التغلبي كليب بن ربيعة، وكان هذا هو السبب الظاهر، لكن السبب الحقيقي هو حب السيطرة والامتلاك، فكليب بلغت سطوته إلى حد أنه وضع شروطاً على القبائل التي كانت تحته، فكانوا لا يستطيعون إجارة أحد أوضيافته دون إذن منه، واحتكر جميع عيون الماء والمراعي، وليس لأحد أن يشرب أو يرعى إلا بموافقته، وذات يوم جاءت امرأة تدعى البسوس لزيارة ابن أختها جساس بن مرة من بني بكر، وحلت ضيفة عليه وكان معها ناقتها التي تركتها ترعى وتشرب دون إذن كليب الذي سمع بها فانطلق وقتلها، فلما سمعت البسوس غضبت وجاءت ابن أختها جساساً تطلب الثأر، فذهب وقتل كليباً، واشتعلت الحرب بين تغلب التي قادها الزير سالم أخو كليب وبين قبيلة بكر، وكانت حرباً طاحنة مدمرة.أما الحرب الدائرة في العراق وسوريا اليوم فيبدو أن الغاز الطبيعي أحد أسبابها، هناك في العراق قرب الحدود السورية حقل غاز اسمه «عكاز» اكتشف سنة 1992، هذا الحقل مخزونه 5.6 ترليون متر مكعب، طوله 50 كيلو متراً وعرضه 18 كيلو متراً فيه الآن 6 آبار، حصلت شركة كوغاز الكورية الجنوبية على عقد استثماره سنة 2011 ثم جاءت شركة دايو الكورية وحصلت منها على عقد تطويره، هذا الحقل بني فيه مطار ومعهد تدريب، لكن قبل ذلك وفي سنة 2010 عقدت القمة الأوروبية الآسيوية في براغ وكان هدفها تسهيل مرور الغاز من آسيا إلى أوروبا للحد من اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، ثم كان هناك مشروع مذكرة تفاهم بين العراق وتركيا موضوعها مرور أنبوب الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية، لكن الشركة الكورية وأمريكا كانتا تعلمان جيداً أن روسيا لن تسمح بمرور الغاز عبر الأراضي السورية، وعليه كان لابد من إزالة الحدود بين الدولتين، لتكون أرضاً واحدة على أنقاض دولتين تصل الحدود التركية فكان تنظيم الدولة «داعش» الذي سيطر على كل المناطق السورية التي من المفترض أن يمر بها الأنبوب ثم سيطر على الأنبار التي يقع فيها الحقل وألغى الحدود، وطبعاً خلال ذلك توقفت الشركة الكورية. لكن العجيب أن مقاتلي «داعش» لم يمسوا الحقل بسوء وإنما تولوا حمايته حتى اللحظة، بالتأكيد إنتاج هذا الحقل لن يدمر اقتصاد روسيا لكنه سيؤثر عليه ولو قليلاً وهذا ما تريده أمريكا، وقريباً سيتغير الوضع في هذه المنطقة ليتم تصدير الغاز.أمريكا هنا مثل كليب يدفعها حب السيطرة والامتلاك فتشعل الحروب، وإن كان جساس قتل كليباً فنحن لم نقتل كليب أمريكا وفعلت بنا كل هذا فكيف لو قتلناه! ثم إن حرب البسوس دامت 40 سنة، وأمريكا قالت إن حربنا قد تصل إلى 25 سنة ثم قالوا هي حرب مفتوحة، حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، فقط ندفع ثمنها وما علينا إلا أن نتهيأ لأيام المهلهل وجساس.
Opinion
من حرب البسوس إلى حرب الغاز
21 سبتمبر 2015