في وقت انتظرنا فيه إعلان تشكيل الحكومة المصغرة حتى كتابة هذه السطور البارحة، والذي يبدو أنه سيصدر اليوم، أعلن الجهاز المركزي للمعلومات أن عدد الأسر التي تم تسجيلها في نظام التعويض النقدي مقابل رفع الدعم عن اللحم بلغ 130 ألف أسرة. بحسب ما تم إعلانه فإن الجهاز سجل 117 ألف أسرة ممن توافرت بياناتهم في قوائم الدعم المالي الخاصة بوزارة التنمية، ما يعني أن 13 ألف أسرة قامت بالتسجيل مؤخراً فور إعلان فتح الباب.الآن عملية رفع الدعم عن اللحم باتت واقعاً معيشاً، رغم إدراكنا من البداية أنها حاصلة لا محالة، وستكون بداية عمليات رفع أخرى مستقبلاً، إلا إذا حصلت أمور تعدل ميزان العجز الاقتصادي والدين العام، وهذا صعب في القريب العاجل. عموماً، ما يشدك في الشعب البحريني اليوم هو تعامله مع ظروفه بأسلوب التندر، وهو أسلوب يتم اللجوء إليه بعد إفراط في السلبية والاستياء والوصول لمرحلة متقدمة من الإحباط المتولد بسبب سير عقارب الساعة بالعكس، فبدلاً من تحسين وضع الخدمات ورفع وضعه المالي يفاجأ بأنه مطالب بالتقشف والتضحية.ولذلك نجد حالات تخفيف عن النفس بالتندر، فأحدهم يقول رفعت شعار «لا لحم بعد اليوم»، وأنه سيتحول إلى «مواطن نباتي» لن يأكل إلا الخضروات. وفي تعقيب عليه يقول آخر «أحسن لك»، فاللحم يسبب أمراضاً خطيرة مثل النقرس والكوليسترول، بالتالي أنت تتخذ خياراً صحياً صائباً!وعن عملية التسجيل، البعض قال إن الناس لن تسجل في تعبير عن الاستياء، في ظل ما يتردد بأن البعض اعتبرها «نقيصة» في حقه، أو تقليلاً من «برستيجه الاجتماعي»، إلا أن الأرقام كشفت تسجيل 13 ألفاً وبلوغ العدد 130 ألف أسرة!يقول أحد المسجلين «العوض ولا الحريمة، عظمة فيها شحمه أحسن من مرقة بدون لحمه»!هذا التندر بات سمة لدى الشارع، وللأسف ينتج عن كثرة الترقب والتطلع دون تحقق الكثير من هذه التطلعات. بيت القصيد فيما نقول، أننا نأمل بمستقبل يجنبنا مثل هذه الأمور، أمور يضطر معها الناس للتعايش مع المشكلة لأن لا حل لها، وكأن الناس هم المطالبون بتحمل تقلبات الزمن والظروف دون وضع اليد على الجرح الحقيقي بأن هذه المشكلة نتيجة لتأثير بعض العمليات الخاطئة في إدارة العملية المالية في البلد، والتي أوصلتنا لكابوس اسمه «العجز الاكتواري»، ومصيبة اسمها «الدين العام»، الذي وصل لسبعة مليارات دينار. ولذلك نعود للتأكيد هنا على أن التغييرات القادمة من خلال الحكومة المصغرة وإعادة هندسة العمليات الحكومية وضبط الإدارة المالية وتصحيح كثير من المسارات، لابد لهذه العمليات أن تخلص لتحقيق الأهداف المنشودة، أن تصل بنا في النهاية لتحقيق ما أعلن إنشاؤها لأجله. لدينا مشاكل مالية، والهدف هو حلها، وإن نجحنا في حلها، عندها يفترض - منطقياً - أن تنتفي كل مشكلات أخرى مرتبطة لها، عندها يفترض أن آمال المواطنين وتطلعاتهم ستتحرك ويتحقق أقلها تدريجياً، لا أن تظل كما حالها الآن وكأنها «أضغاث أحلام». نأمل الخير ونتوقع أداء أفضل، مع إدراك لصعوبة التحدي، فـ «الشق أكبر من الرقعة» كما يقولون. وحتـــى ذاك الحيـــن نبـــدأ مشـــوار التحــول لـ «نباتيين» وسنقول «لا لحم بعد اليوم»!