من المعروف أن رجل السياسة يلجأ إلى توظيف حالة نشر الفوضى للاستفادة منها في الوقت المناسب. وفي نوفمبر الماضي كتبنا عن تقسيم المسجد الأقصى الشريف، وكيف اقترحت رئيسة لجنة الداخلية في الكنيست خطة تقسيم على ثلاثة محاور، التقسيم المكاني، والتقسيم الزماني، والتقسيم العمري، وها هم يطبقونها لحصد حالة فوضى، فلماذا؟! الرد الفلسطيني الحالي كان عبر حماية الأقصى بالأجساد. وقد نجحت جهات فلسطينية عدة في تسيير قوافل المرابطين والمرابطات لحماية الأقصى، لكن تعزيز صمود المرابطين ومؤازرتهم لإفشال التقسيم يحتاج لدعم إسلامي، وإذا كانت الحروب والفقر تمنع البعض فذلك عذر غير مقبول من الخليجيين. لكن من الإنصاف القول إن منظمات خليجية تقوم حالياً بكفالة المرابطين والمرابطات، براتب شهري قدره 600 دولار، لتأمين عيش أسرهم ليدافعوا عن الأقصى فهل يكفي ذلك؟! وفي حلقات التفاوض للتعامل مع القضايا الشائكة، من المعتاد أن نشاهد مفاوضاً، وقد خرج من المفاوضات غاضباً، بعد أن وقع ضحية استفزاز مقصود، أفقده اتزانه فيخسر كل شيء، فهل يحتاج الفلسطينيون حالياً للتعبير عن غضبهم العارم؟ ففي حال استمرار الغطرسة الصهيونية توقع أكثر من مطلع أن تؤدي الانتهاكات لانتفاضة فلسطينية ثالثة، ليس حول الأقصى، بل في مكان آخر، كما يريدها الصهاينة، حتى يكسروا ضلعاً فلسطينياً آخر. فما يقلقنا هو أن التقسيم الزماني والمكاني والعمري قد وضع وفق خطط مدروسة ومعدة مسبقاً. وقد يكون الاستفزاز الصهيوني الحالي مقصوداً! لقد وضع علماء المفاوضات قاعدة لتحديد مرات الغضب، تقوم على أساس أن «لكل مفاوض، أن يغضب في دوره فقط»، فلكل مفاوض حق الغضب مرة واحدة، وإذا غضب، فليراعي إن كان الطرف الآخر قد استخدم دوره في الغضب، وهل جاء دوره ليغضب مرة أخرى أم لا!! لن تنفع المرابطين والمرابطات بيانات الاستنكار، لكن بدعمهم بالمال خليجياً ليستمر الرباط، ولو بقطرة زيت زيتون. ففي الحديث الشريف، أن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس؟ فقال: «أرض المنشر والمحشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاةً فيه كألف صلاة فيما سواه»، قالت: أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال: «فليهد إليه زيتًا، يسرج فيه، فإن من أهدى له، كان كمن صلى فيه»، وكل عام وأنتم بخير.