حتى لو تغير شكل الحكومة مرات عدة - وهي أصلاً عملية حصلت مراراً - وحتى لو وضعت بدل استراتيجية عامة للدولة عشر استراتيجيات، وحتى لو استبدل العجز المالي بميزانيات ضخمة وفيرة وسد الدين العام، إلا أن النجاح فيما نسعى إليه من وراء هذه الخطوات قد يظل قاصراً!بل من الممكن أن ينهج عملنا نفس النهج والتكرار ما يعيد المشاكل ذاتها لتطفو على السطح، إذا لم نحدد أهم العناصر التي تصنع النجاح.قد نأخذ في كل يوم قراراً، هذه عملية سهلة. كما يمكن للدولة أن تعين وتوزر كل يوم شخصاً، وبنفس المقياس يمكن أن تقيل كل يوم مسؤولاً. يمكن أن نطبق خطة اليوم، وننسفها غداً ونضع بدلها عشر خطط! يمكن ويمكن ويمكن، وكلها أمور سهل القيام بها، لكن حينما نأتي لاختبار نتائجها هنا تكون المشكلة والمعضلة حينما تكون النتائج وخيمة، ومن يتضرر منها هي البلد سياسياً ومالياً واقتصادياً وأيضاً المواطن في نفس الجوانب، بل يزيد عليها في جوانب حياته المعيشية والخدمات. عامل النجاح الذي نتحدث عنه يتمثل في البشر، وليس أي بشر، بشر هم بمثابة عقول راجحة وطاقات كادحة، كفاءات ومؤهلين، والذين حينما تعينهم الدولة لا «تضطر» لإعفائهم بعد مدة، أو تدويرهم أو إبدالهم بسبب قلة حكمة في التعامل مع أمور معينة، أو بسبب إخلالات بواجبات القسم الذي أدوه باسم الله وأمام جلالة الملك حفظه الله، وفيه أكدوا التزامهم بمحددات مهامهم تجاه الوطن والمواطنين معاهدين القيادة على النزاهة والعمل الجاد. ما أعنيه أن علينا لضمان النجاح أن نعين الكفاءات القادرة على مسك زمام الأمور في المرحلة الحرجة القادمة التي تحتاج بالفعل لأناس ذوي قدرة على التعامل مع الضغط والتشعب، في ظل تحد لتحقيق رضا الناس مع قلة الموارد. علينا أن نوفق في وضع من يكون أهلاً للثقة في مواقع المسؤولية، لابد من اختبار قدراتهم قبل تعيينهم، لابد من ضمان أهليتهم للموقع من خلال التخصص والخبرة العملية والسمعة المهنية الطيبة، إذ أثبتت التجربة أن هناك أشخاصاً لا يصلحون لتولي مسؤولية قطاع هم متخصصون فيه، فما بالكم بمن تخصصه وخبرته لا علاقة لها بموقعه؟! هنا سنكون «لا طبنا ولا غدى الشر»!!وفي رأيي المتواضع أن الأهم ألا يكونوا ممن يمكن ضمهم لنادي «المتحولين» بمجرد جلوسهم على كراسي المسؤولية. والله هناك وزراء كثر في السنوات الماضية توسمنا فيهم الخير، لكن منذ جلوسهم على الكرسي «تحول» التواضع إلى تعال، تحول الكلام القديم عن خدمة الناس إلى فعل حديث لتجاهل الرد على الناس، بل رمقهم بنظرة دونية، وغيرها من أمور تصل حتى لمحاولة السيطرة على الصحافة نفسها والتي تبين أن لدينا «فيروساً» خطيراً في البلد لا شفاء منه، يصيب أصحاب المناصب العليا، وقليل منهم يمتلك مناعة منه.بالتالي، إن صلحت أدوات العمل التي نعني بها طاقات التخطيط ورسم الاستراتيجيات وقيادة التغيير وحسن التعامل مع الأزمات، فإن الحراك الذي نحن بصدده يمكن المراهنة عليه وبقوة.لكن إن كانت بوضع معاكس، واتضح لنا أن الأدوات نفسها «معطوبة» هنا سنكون أمام كارثة أكبر، فالعلاج الذي شخصناه اتضح مع المعالجة أنه سبب في زيادة استفحال المرض. وكما قال ربنا في قرآنه: «إن خير من استأجرت القوي الأمين»، نريد مسؤولين بهذه المواصفات، أقوياء وأمناء، لا ضعفاء ولؤماء. إلا من رحم الله طبعاً من بعض الوزراء والمسؤولين الذين يستحقون التقدير والاحترام لعملهم وأخلاقياتهم ومهنيتهم.
Opinion
نريد أقوياء أمناء.. لا ضعفاء ولؤماء!
24 سبتمبر 2015