لا أحب الوجع الذي يغتال الفرحة، ولا أحب العتمة، وأرفض الظلام، رغم أن فيه النجوم، كما لا أحب الوقوف على الأطلال، وبكاء الراحلين، ومن أكثر ما لا أحب، الوداع، لذلك قليل ما تجدني واقفاً على أبواب المطار، إلا حين اللقاء أو السفر، وأيضاً لا أحب سماع الأغاني التي تحيي الحزن، كما لا أحب نهاية الأفلام الحزينة.اليوم، حاولت أن أعيش فرحة العيد، وأن أتجاهل شيئًا ثقيلاً في قلبي، ويشهد الله عزيزي القارئ الكريم، أني جاهدت واجتهدت لئلا يكون مقالي ثقيلاً، ومصدر غم وكدر لك في هذا اليوم السعيد، غير أنني فشلت. كنت أجهز حلة العيد، حينها وقفت، وتسمرت، تذكرت شهداءنا من رجال الأمن الأبطال وجنودنا البواسل، والمرابطين على الثغور في مواجهة أعداء الأمتين، وتراءى أمامي وجوه أمهات وزوجات الشهداء اللاتي نفتخر بهن، ممن حولن الألم والحزن والدموع إلى حالة من الإباء والتحدي، ومنحن الحياة لكل من حولهن، من أجل تراب البحرين.لم أنفك أتذكر تلك الوجوه النضرة، وأحن لوجوههم، فليس هناك وجع أكبر من وجع الحنين لمن رحل إلى دون رجعة، وعيدنا وإن كان سعيداً، لكنه ناقص بدونهم، وأعترف بأن مقاومتي لإغواء الاستعانة ببيت أبى الطيب المتنبي وقصيدته الشهيرة «عيد بأية حال عدت يا عيد»، باءت جميعها بالفشل وتذكرت مطلعها:عيد بأية حال عدتَ يا عيدبما مضى أم بأمر فيك تجديدلكن هل بات قدرنا أن تظل أعيادنا ناقصة؟! لا، وألف لا.. لأن الأوطان العظيمة لا تُبنى إلا بدماء شهدائها وسواعد الأحرار من أبنائها، ومن أصلاب المحن تخرج أعظم الأمم، والوطنية هي ينبوع التضحية والفداء، والوطني من نبضه يتحرك مع نبض الوطن، يفرح إذا كان الوطن بخير، ويحزن ويتألم إذا أصابه مكروه، وتجده أول الواثبين لأداء الواجب وقت المكروه دون النظر إلى المنافع والمغانم أو التضحيات، فالذين يتبجحون بالوطنية وقت الرخاء، ويصمتون وقت الشدائد، ليسوا من طينة هذا الوطن.نعم.. سيظل عبق العطر المقدس المنبعث من شهدائنا يحيا فينا، في كل لحظة فرح وساعة انتصار، كما سنظل نكبت الجراح ونعتصر الألم من أجل مواصلة الحياة، ونفخر بهم ونعتز بتضحياتهم، وستظل صورهم مرسومة في مقلة العين كما ستظل أسماؤهم منقوشة في الأفئدة، تتجدد دائماً فوق شفاهنا مع كل لحظة أمن واستقرار نعيشها، فما كنا لنعيشها لولا تضحياتهم. سنحكي بطولات ونحتفي بتضحيات «رِجالٌ صدقُواْ ما عاهدواْ اللَّهَ عليه»، خرجوا من هذه الأرض ومن ميراث عروبتها التليدة، في جهاد عظيم وحرب باسلة، من أجل أن تعيش أجيال قادمة حياة حرة ونظيفة خالية من فيروسات الخيانة والعمالة والقبح الطائفي والسوء المذهبي والتخلف المعتقدي والديني.ستظل موالاتنا لأمنا البحرين، محفورة في القلوب، رغم أنف كل حاقد وحاسد وجاحد للنعمة، ومأجور من عدو طامع، لا يساوم على ولائنا لها إلا من فقد عروبته ومروءته وشرفه، ولا يخونها إلا عميل وخبيث وخاسر، «والله يعلم المفسد من المصلح». وكل عام وأنت طيب.
Opinion
في العيد.. نذكركم أيها الأكارم
24 سبتمبر 2015