أول مرة سمعت فيها بمصطلح «تدويل الحرمين» كانت في ثمانينيات القرن الماضي، عندما أطلق الخميني دعوة لجعل رعاية مكة والمدينة حقاً مشاعاً لكل الدول المنتسبة للإسلام، وها نحن اليوم نسمع تلك الدعوات تصدر من جديد من إيران وعملائها، فلماذا تجددت الآن، وما حقيقة ما وراء هذه الدعوات؟لمعرفة الإجابة على هذين السؤالين، لابد لنا من معرفة الظروف المصاحبة لهذه الدعوات، فعندما انطلقت الدعوة أول مرة كانت إيران تخوض حربها العدوانية على العراق والتي دامت 8 سنوات خرجت منها إيران منكسرة دون تحقيق أي نصر، وقد أطلق الخميني هذه الدعوات في وقت كان العراق فيه يكبد إيران خسائر كبيرة، وقتها كان موقف المملكة العربية السعودية من هذه الحرب واضحاً جداً فقد كانت داعمة للعراق، واقفة في صفه، معتبرة الحرب حربها، ولذلك كانت إيران تعتبرها طرفاً في الحرب، وأطلقت هذه الدعوات كجزء من فعاليات الحرب والضغط على السعودية، واليوم تنطلق هذه الدعوات من جديد في ظروف مشابهة فالمملكة العربية السعودية تقود تحالفاً لدعم الشرعية وتخوض حرباً ضد الحوثيين، عملاء إيران في اليمن، وفي هذا التوقيت، إيران تتكبد الخسائر في اليمن كما حصل معها في العراق قبل ثلاثين سنة، وكل المؤشرات والدلائل تؤكد على قرب نهاية هذه المعركة، وانتصار التحالف الذي تقوده السعودية، لذلك تجدد هذه الدعوات هو جزء من فعاليات الحرب التي تخوضها إيران بشكل غير مباشر مع السعودية، وهي تؤكد أن إيران شعرت بهزيمتها في هذه الحرب، صحيح أن مناسبة تجدد هذه الدعوات هي حادثة تدافع حجاج هذا العام التي راح ضحيتها أكثر من 700 حاج، لكن هذه الحادثة ليست أكثر من مناسبة لإطلاق الدعوات، وسواء كان حادثاً مفتعلاً أو غير مفتعل فالنتيجة واحدة، إيران استغلته.لكن يبقى هذا جزء من حقيقة ما وراء هذه الدعوات، أما الجزء الأكبر فيتعلق بمكانة المملكة العربية السعودية الدينية التي تكتسبها من وجود الحرمين داخل أراضيها، إضافة للمكانة السياسية المتميزة التي تتمتع بها بين دول العالم، فمكانتها الدينية تتيح لها القدرة على التأثير على أكثر من مليار ونصف مليار مسلم في العالم، أي أنها قادرة على التأثير على 23% من سكان العالم، وهذا يخيف إيران، لكن المتابع للسياسة السعودية يعلم جيداً أنها تفصل بين المكانتين وتتعامل مع دول العالم بحسب مكانتها السياسية حتى في أحلك الظروف، وتاريخ الدولة الحديثة فيها يثبت أنها لم تستخدم مكانتها الدينية لمصالحها الخاصة عشرات السنين، حتى حربها الأخيرة على الحوثيين لم تكن على أساس مكانتها الدينية وشكلت على أساس مكانتها السياسية تحالفاً عسكرياً لدعم الشرعية، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في العقلية الإيرانية، فبعد وصول الملالي إلى السلطة أصبحت إيران تتمتع بمكانة دينية بين أقلية في العالم الإسلامي وهي تستغل هذه المكانة لتحقيق مصالح سياسية وتحقيق اعتداءات هنا وهناك، هذه العقلية تتصور أن العالم من حولها يفكر بالطريقة التي تفكر فيها وتتعامل معه على هذا الأساس، وقديماً قالوا في الأمثال الشعبية «كل يرى الناس بعين طبعه».