كتاب «ادفع بأي ثمن» كتاب أمريكي صدر في أكتوبر من العام الماضي ومازالت أصداؤه تتوالى في الأوساط الأمريكية إلى اليوم كتبه جيمس رايزن الصحافي في جريدة نيويورك تايمز ونشرت عدة صحف عرض له، منها مجلة فورن بوليسي وكذلك جريدة الوسط.عنوان الكتاب كما ذكر في الفورن بوليسي مقتبس من عبارة لجون اف كندي قال فيها إنه سيجتاز أي حاجز ويدفع أي ثمن للدفاع عن الحرية وحمايتها، فاقتبس جيمس رايزن هذه العبارة عنواناً لكتابه. حين قرأت العرض قفزت إلى ذهني سريعاً حكاية بحرينية غامضة جرت في عام 2012 وبالتحديد في يوم جمعة في 13 يوليو منه، تتلخص بتوقيف شخص أمريكي في مطار البحرين يحمل في حقيبته مبلغاً نقدياً وقدره 11 مليون دولار أمريكي وبرر الأمريكي سبب حمله لهذا المبلغ الكبير نقداً أنها «رواتب» لضباط وأفراد في القاعدة البحرية الأمريكية!!! ما الرابط بين هذا الكتاب وتلك القصة؟ ما الذي جعل قصة 11 مليون دولار التي دخلت البحرين (كاش) تقفز للذهن؟هذا الكتاب يتناول قصصاً للفساد المالي والإداري لإدارة الحرب على الإرهاب قامت بها إدارتا بوش الابن وأوباما من بعده، قصص ظلت بعيدة عن الرقابة والمحاسبة والمتابعة تحت مبرر «السرية» وفي الفصل المعنون «المنصات النقدية» يكشف الكاتب عن حركة تنقلات نقدية لمليارات من الدولارات الأمريكية وُزِّعت نقداً في العراق منذ العام 2003 إلى يومنا هذا، والكثير من تلك الأموال تم فقدان أثرها، في حين تفيد تقارير بأن ما يقرب من ملياري دولار، وجدت طريقاً آمناً لتستقر في لبنان. اليوم تنشر صحيفة بحرينية عرضاً لهذا الكتاب وهي أي الصحيفة كانت قد تبرعت قبل ثلاثة أعوام لتبرئة الساحة الأمريكية من تهمة «تمويل» بعض الدوائر الأمريكية جماعات دينية شيعية متشددة في البحرين.ويكشف هذا الكتاب «ادفع بأي ثمن» حقيقة نقل مليارات الدولارات نقداً و(كاش) وبسرية بعيداً عن أعين الرقابة الأمريكية لتمويل «مهمات خاصة» وكثير منها وجد طريقه وفقاً لمؤلف الكتاب لجماعات متشددة بل إن الكتاب أطلق على تلك الأموال مسمى «المنصات النقدية».. فلم يكن خيالاً ولم يكن وهماً كما كتبت هذه الصحيفة عن احتمال ربط الـ 11 مليوناً التي دخلت البحرين بتلك الجماعات، بل واقع يكشفه صحافي أمريكي ومن المعروف أن تتبع المبالغ النقدية صعب ومستحيل وتمنع جميع الدول دخول كميات كبيرة عن طريق منافذها، إن لم يكن هناك جهة رقابية تملك الأرقام التسلسلية للأوراق النقدية حتى يسهل تتبعها وتحديد أين ولمن صرفت؟! ورغم أن السفارة والقاعدة الأمريكية في البحرين نفيا خبر (القبض) على أي شخص أمريكي حينها، إلا أن ذلك النفي لم ينف حقيقة أن هذا الشخص قد احتجز لساعات وإن لم يقبض عليه، ولم ينف أن هذا الشخص قد تم التحقيق معه وأقر أن بحوزته 11 مليون دولار أمريكي!!المفارقة حينها أن شخصيات محسوبة على جماعات متشددة في البحرين سارعت إلى نفي علاقتهم بهذا المبلغ وسخرت من ربط المبلغ بتمويل عمليات إرهابية رداً على ما تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي حينها وأرجعت الربط بين المبلغ وبين تمويل الجماعات الراديكالية في البحرين إلى خيال الناس!! بل وسارع أحد الكتاب المحسوبين على هذه الجماعات متبرعاً لتبريئ ساحة الأمريكيين وشرح أسباب نقل هذا المبلغ فكتب في ذات الصحيفة التي نشرت الكتاب بتاريخ 15 يوليو 2012 أي بعد يومين من دخول المبلغ للبحرين «المتيقن الآن أن المبلغ مرسلٌ إلى جنود المارينز في القاعدة الأمريكية، ولكن لم يتضح بعد، هل هي رواتب الشهر الماضي (يونيو) وصلت متأخرةً نظراً إلى مرور الولايات المتحدة الأمريكية بضائقةٍ ماليةٍ مثلاً هذا الشهر، أم أنها رواتب الشهر الجاري (يوليو) الذي مضى منه 13 يوماً، وتعمدت وزارة الخزانة الأمريكية إلى إرسالها مبكراً، تحسباً لتأخر وصولها عن طريق الجو بإرسالها في حقيبة سفر مع أحد الأشخاص الأمريكيين المسافرين ترانزيت!» (لاحظ أن تاريخ هذه الحادثة كان في عز أيام الاضطرابات التي جرت في البحرين تحت مسمى ثورات الربيع العربي وعز التفجيرات ووفيات رجال الأمن).ورغم أن أهم ما ورد إلى ذهن الكاتب رايزن سؤاله الخطير «يا ترى كم من تلك المليارات من الدولارات التي اختفت ذهبت لتمويل الانبثاق الغريب لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، المسلحة تسليحاً جيداً، بوحداتها المدرَّبة تدريباً مُحْكمَاً؟ « إلا أن ما يعنينا في البحرين تحديداً هو سؤال آخر وهو كم من هذه الملايين وجد طريقه للبحرين وتنقل دون رقابة ودون محاسبة ودخل بذات الطريقة التي دخلت بها الـ 11 مليوناً التي اكتشفناها؟ فالسؤال هل مرت المنصات النقدية التي مولت المهام السرية الخاصة للجماعات من هنا؟!!