أوباما وقبل يومين، طرح مجموعة مهمة جداً من النقاط التي تستوجب التوقف عندها، إذ أكد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أن «الولايات المتحدة لا تريد العودة إلى الحرب الباردة، وأن واشنطن على مدى العامين الماضيين قامت وبمساعدة روسيا والصين بالتوصل لاتفاق نووي مع إيران». وفي تطرقه للأزمة في سوريا انتقد أوباما ضمنياً «موقف موسكو الداعم للحكومة السورية»، قائلاً إن «هناك من يدافع عن بشار الأسد بدعوى أن البديل هو الأسوأ». ودعا باراك أوباما الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى «تعزيز التعاون والتنسيق لمواجهة تحديات العصر، وأبرزها الإرهاب والتطرف والفقر»، مشدداً على «أهمية احترام القوانين والمبادئ الدولية لأنها أصبحت الوسيلة الوحيدة لضمان سلامة وازدهار شعوب العالم».إن خطاب رئيس أعظم دولة في الكون وأمام كل العالم يرسل إلينا مجموعة من الرسائل المهمة، لعل من أبرزها، هو عدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في استمرارها نحو منهجية سياسة «تكسير العظام»، وأن أمريكا لا تفكر وبصورة جدِّية في إعادة الحرب الباردة، لما لذلك من خسائر عظيمة عليها وعلى كل العالم، خصوصاً على حلفائها في المنطقة، ولعل من أبرز النقاط التي أكد عليها أوباما هو عدم وجود رغبة دولية ببقاء الأسد لفترة مقبلة، وأن تنحيه سيكون مسألة وقت.من جهة أخرى بيَّن الرئيس الأمريكي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه يعي المخاطر التي يواجهها العالم اليوم، ويفهم في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة لن تستطيع حل المشاكل الدولية لوحدها، وشدد أوباما على «اعتماد الدبلوماسية وسيلة لإنهاء الخلافات»، وعرج أوباما إلى تنظيم الدولة «داعش» قائلاً إن «الولايات المتحدة لن تسمح لأي قوة إرهابية كـ»داعش» بالتوسع»، مشدداً على أن «قيام «داعش» بقطع رؤوس أشخاص، لا يجعل المسألة قضية أمنية لدولة ما، وإنما قضية إنسانية تستدعي التحرك».لعل من أبرز محاور الرئيس أوباما والذي جاء في كلمته المهمة رغبته الملحة في «خوض حرب مصيرية مع تنظيم «داعش»»، لكن بمعية بقية دول العالم التي إن صمتت عن إرهابها فسوف يطالها بكل تأكيد، وربما هذه الرغبة الأمريكية هي محل إجماع دولي، خصوصاً إذا ما عرفنا أن «داعش» هي الخطر الحقيقي القادم.ومما ذكره الرئيس الأمريكي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن «هناك تيارات خطرة تريد أن تعود بالعالم إلى الوراء وتحاول فرض قوتها بشكل يتنافى مع مبادئ القانون الدولي ويقيد الحرية»، مؤكداً في السياق ذاته أن «اعتبار الإسلام إرهاباً هو جهل».هذه نقطة محورية جداً في خطاب أوباما، وهي إشكالية فلسفية مُدْمجة بالسياسة حول علاقة «داعش» بالإسلام الحقيقي، حيث إن النظرة العالمية للإسلام والمسلمين قد تأثرت سلباً وبصورة كبيرة جداً بسبب الفظائع والانتهاكات الصارخة التي يقوم بها هذا التنظيم الإرهابي حول العالم، مما شوه صورة الإسلام في مجمله، وعليه يجب التحرك لترميم هذه الصورة المعتمة عن إسلامنا الحنيف، ولربما يكون لأمريكا دور فاعل في تغيير الصورة السائدة والسلبية حول مكانة الإسلام، من بين بقية الديانات الأخرى.في المجمل، يبقى المرتجى من خطاب أوباما أن يتحول إلى واقع سياسي أممي في أسرع وقت ممكن، فالوقت يباغت كل دول العالم، وليس لديهم أي خيار قادم سوى أن يصححوا من أوضاعهم السياسية ويضعوا يدهم بيد بعض من أجل محاربة الإرهاب، والأهم من كل ذلك، هو أن تثبت الولايات المتحدة الأمريكية صدقها وحسن نواياها وجديتها في أن تعيد للشرعية الدولية مكانتها التي فقدتها في السنوات الخمس الأخيرة، خصوصاً وأن الخطاب الذي أطلقه الرئيس الأمريكي انطلق من «بلعوم» الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث من فمك أدينك.