الخطابات الرئيسة الثلاثة في اليوم الأول التي ألقاها كل من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أوباما والرئيس الروسي بوتين والإيراني حسن روحاني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أكدت على أمر مشترك واحد لا غير، وهو النظر إلى المصالح القومية والقطرية للدول الثلاث، على الرغم من تخلل خطاباتهم لبعض المشتركات، كمحاربة الإرهاب، والاحتكام للشرعية الدولية، وأهمية استقرار الوضع في سوريا وبقية دول المنطقة، وعلى الرغم أيضاً من بعض الأطروحات التي هي بعيدة كل البعد عن الواقع، والتي احتوت على المزيد من الأكاذيب المضللة، أو في كون ما طرح أمام العالم يخالف الواقع بصورة كبيرة، ظلت خطاباتهم موضع نقاش بين وسائل الإعلام العالمية.كنَّا نتمنى أن تكون هنالك خطابات عربية بحجم المرحلة لبعض رؤساء الدول العربية، يتحدثون بكل وضوح عن مشاريعهم السياسية في المنطقة وعن استراتيجياتهم القادمة في الشرق الأوسط، والأهم من كل ذلك كنَّا نود أن نستمع لقادة عرب يتحدثون عن أوطانهم ويدافعون عنها وتكون مصالح شعوبهم ودولهم قبل سواهم، لكن حتى كتابة هذه الأسطر وقبل انتهاء الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة لم نسمع بذلك.الولايات المتحدة الأمريكية ومعها روسيا وإيران، حتى وإن تحدثوا عن الملف السوري أو عن تنظيم الدولة «داعش» وغيرها من الملفات التي لا تتعلق بتلك الدول بصورة مباشرة، إلا أن طرحهم لقضايا أجنبية عن ساحاتهم الداخلية له الكثير من المعاني الواضحة والمتعلقة بأمنهم ومصالحهم، بينما العرب لم يتواجدوا لطرح مشاريعهم ليكونوا سبَّاقين في الاصطفاف الصريح حول مصالحهم فقط.اعتاد العرب أن يدافعوا عن أنفسهم في كل مرة وكأنهم هم المتهمون الحقيقيون في العالم ليكون من أهم واجباتهم إزاحة الشبهات عنهم، أو في حالات مختلفة أخرى يقومون «ولكرمهم الحاتمي» بتبني قضايا بعيدة كل البعد عن قضاياهم المصيرية المشتركة، وكأن هذا الذي كان ينقصهم! على العرب اليوم أن يغيروا من استراتيجياتهم التي تعني بشأنهم الخاص وبمصالحهم الخاصة، وأن يتكلموا كما يتكلم الأعاجم من الأمريكان والروس والعجم حول مصالحهم وأمنهم واقتصادهم وسياساتهم بعيداً عن التنظير العاطفي، أو من خلال سكب الدموع على حالهم وحال بعض الدول الفقيرة، ليتحولوا في كل مرة أمام أعين العالم إلى حصالة تجمع فيها أموال إضافية من موازناتهم لاستقرار دولة هنا أو تمويل حرب هناك.يجب أن تتغير لغة العرب بعد دخولهم لمرحلة من أشد المراحل السياسية عتمة وخطورة على مر التاريخ، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، فالوقت بات أكثر من ضيق، والاقتصادات العربية بدأت تتفكك، أما المؤامرات السياسية التي تحاك لتقسيم أوطاننا فإنها أكثر من عدد نسماتنا من المحيط إلى الخليج، فهل سنظل فيما تبقى من وجودنا نتفنن في صناعة «ردود الأفعال»؟ أم أننا سنصنع أفعالنا التي يجب أن تسبق أقوالنا لنثبت للعالم ولو لمرة واحدة بأننا بحجم التحديات؟ هذا ما نتمنى أن يكون قبل أن تجيب على هذه الأسئلة المصيرية أجيالنا القادمة.